هل ترنّح إيمان الأوروبيين بأسس النظام الليبرالي الدولي، وبالقيم المشتركة للمصالح التي جمعت أوروبا إلى الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة؟ أسئلة عديدة تطرح الآن في أروقة الخبراء الاستراتيجيين، بعد قمة الدول السبع الصناعية التي عقدت في "شارلفوا" الكندية، والتي ضمت الولايات المتحدة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا واليابان وكندا، بعد الاستغناء عن الشريك الثامن الروسي، وهي الدول التي تستحوذ على نحو نصف إنتاج الأرض وحدها، وتمسك بثمانين في المئة من التجارة العالمية. ريتشارد هاس، قد يكون أتى بالقراءة التي هي الأقرب إلى فهم ما جرى في ذهن ترامب: «إنّ إضعاف النظام الليبرالي الدولي يعود إلى تغيّر موقف الولايات المتحدة.
ففي عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قرّرت الولايات المتحدة ألا تنضم إلى الشراكة العابرة للأطلسي، وأن تنسحب من اتفاقية باريس حول المناخ، وهي تهدّد بالانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة مع المكسيك وكندا (نافتا). ولعل القشة التي قصمت ظهر "الكاوبوي" بروز أقطاب منافسة للولايات المتحدة على المستوى الاقتصادي والتجاري، خطفت جزءاً كبيراً من أسواق أميركا، الداخلية والعالمية، لمصلحة الصين وأوروبا واليابان، وأدت إلى تفاقم كبير في ميزان المدفوعات، وأدى إلى تراكم العجز التجاري الخارجي الذي بلغ العام 2017 أكثر من ٥٦٦ مليار دولار لمصلحة الاتحاد الأوروبي والصين.
الأسئلة هنا تحاول السير بين الألغام التي وضعها ترامب، قبل وبعد القمة، وهي لا تتهرب من الأجوبة بقدر ما تتجه نحو مقاربة واقعية وموضعية متزامنة مع قمة "شنغهاي" التي عقدت في مدينة "كينغاداو" في الصين بحضور إيران "الصاخب"، كعضو مراقب فيها. وذلك عشية انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع طهران. كما بحضور الهند وباكستان لأول مرة، وقد أشاد الرئيس الصيني شي جين بينغ، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، بتوسيع التكتل الأمني الإقليمي (منظمة شنغهاي للتعاون)، وذلك خلال قمة اتسمت باستعراض للوحدة يتناقض مع ما جرى من قمة مجموعة السبع من خلافات، واستقبل الرئيس الصيني قادة باكستان والهند «استقبالاً خاصاً» في أول مرة يحضران فيها قمة «منظمة شنغهاي للتعاون»، بعدما انضم البلدان إلى المنظمة العام الماضي.
وتُعدّ اللقاءات الثنائية بين بكين وطهران في "شنغهاي"، والاتفاقات الموقعة عامل دفع كبير لتعميق التعاون الصيني الإيراني، ولا سيما في المجال التجاري. ووصف الرئيس الإيراني حسن روحاني العلاقات بين البلدين بـ«التعاون الاستراتيجي» الذي أكد أنه «سيستمر في كل المجالات»، عادّاً الصين «الشريك التجاري الأول لإيران في السنوات الأخيرة». وبحسب ما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية، فإن الرئيس الصيني تطرق خلال اللقاء مع روحاني إلى «دور التعاون المصرفي واستخدام العملة المحلية في تطوير التعاون الثنائي»، مؤكداً اعتزام بلاده «تنفيذ العقود المبرمة بينهما بشكل كامل». ووقع الجانبان أربع وثائق للتعاون، أبرزها مذكرة تفاهم للتعاون التقني في المجال المالي والمصرفي، ومذكرة تفاهم للتعاون في إطار «مشروع الحزام والطريق» الصيني العملاق.