مع تصويت 95 نائباً من اصل 128 بـ"نعم"، مدّد مجلس النواب ولايته حتى حزيران 2017. ومع هذا التمديد الثاني منذ 2013 يضاعف اعضاء البرلمان مدتهم الاصلية المؤلفة من أربع سنوات نتيجة ما بُرر بالوضع الامني غير المستقر والذي لا يسمح بإجراء انتخابات نيابية. ولكن بعيدا من المهاترات السياسية والسجالات التي لا تنتهي، لهذا التمديد تداعيات سلبية على اقتصادنا.
التمديد يؤثر سلبا على الاقتصاد اللبناني وعلى الثقة فيه، ما يهدد عملية جذب الاموال التي بدأت تتجه فعلا نحو عدد من الدول الاقليمية المجاورة للبنان الذي بدأت تغيب عنه ديمومة الدورة الاقتصادية السليمة والتي ترتبط حكما بالدورة الديموقراطية والمتمثلة بالانتخابات التشريعية. وعلى رغم كل ما يملكه هذا البلد الصغير من قدرة تنافسية وموقع استراتيجي وحرية تنقل لرؤوس الاموال ونظام مصرفي قوي لا يزال الى حد ما يتمتع بـ"السرية المصرفية"، ومع التذكير بأن أي اقتصاد حر منبعه حتما دورة سياسية ديموقراطية تحمي قدسية الملكية والعملية الاقتصادية، وفي غياب هذا النظام السياسي الثابت لحمايتها، يصبح الاقتصاد الوطني في خطر. علماً أن إتمام الانتخابات النيابية، في أي دولة، يساهم حتماً في فتح صفحة جديدة من العلاقات بين الأطراف المتنازعين ويشكّل أيضاً صدمة إيجابية لاقتصاد هذا البلد، بما يوحي للعالم أن مرحلة جديدة بدأت.
ومع التمديد مرة جديدة لمجلس النواب، قد يعمد المستثمر الاجنبي الى التريث قبل اتمام اي استثمار في لبنان في انتظار التطورات على الصعيدين الامني والسياسي لتحديد المسار المستقبلي للبلاد. وهذه الخطوة كنا لنتجاوزها لو حصل الاستحقاق وتوضحت النظرة حول المسار الذي ستسلكه البلاد. وطبعا أي زعزعة في الاستقرار الاقتصادي في لبنان تنعكس حكما على حجم الاستثمارات الاجنبية فيه بعدما تراجعت 23% على اساس سنوي خلال 2013 وفق تقرير الاستثمار العالمي 2014.
وفي ظل الفراغ في سدّة الرئاسة، وحكومة الـ24 "وزيراً / رئيسا"، اي حكومة يتم تعطيل اي قرار يصدر عنها برفض احد وزرائها وفي غياب أبسط اسس الديموقراطية التي تتمثل بالسماح للشعب بانتخاب نوابه، ومع استمرار الوضع الامني غير المستقر وغياب الخطة الاقتصادية الاصلاحية الشاملة لوضع حد للتدهور المالي والاقتصادي، قد تعود مؤسسات التصنيف الائتماني الى طَرْق ابوابنا عبر خفض جديد لتصنيف لبنان مع غياب الآفاق الكبيرة لحصول تحسن ملحوظ لأسس الاقتصاد الكلي او في المالية العامة.
واليوم، مع التمديد لمجلس النواب، تتدهور مرة جديدة صورة لبنان واقتصاده المنفتح على العالم، حيال المؤشرات التي تتميز بها الدول المتقدمة والمتحضرة. فمع غياب الانتخابات الديموقراطية نتيجة الفشل في التوافق حول كيفية اتمامها، وتأمينها، من المتوقع ان يشهد لبنان تراجعاً اضافيا في تصنيفه ضمن مؤشرات التطور الانساني والديموقراطية، والتنمية والتطور وغيرها من المؤشرات، ما ينعكس سلبا على اقتصاده وعلى دعم المؤسسات الدولية له.
وللقطاع السياحي، حصة كبيرة من تداعيات التمديد. هذا القطاع الذي يشهد العديد من مؤسساته موتاً سريرياً منذ ثلاث سنوات وبعضها انتقل الى "رحمته". فمن ابرز اسباب التمديد لمجلس النواب عدم ضمان الوضع الامني لإجراء الانتخابات، ولكن من لم يستطع ان يضمن أمن تنظيم انتخابات نيابية، هل سيضمن أمن السياح في لبنان؟ هل نقول للسائح، لبنان ينتظرك ولكن سلامتك على ضمانتك الشخصيك؟
باختصار التمديد اصبح واقعاً، والنواب جدّدوا الوكالة باذن من التدهور الامني والخلاف السياسي حتى حزيران 2017، على ان يبقى تحسن الوضع الاقتصادي معلقاً، حتى إشعار آخر.
"النهار - موريس متى"