لم يكن رهان مزارعي التفاح، على منتوج الموسم الحالي واقعياً، كي يعوّضوا الخسائر الجسيمة التي منيوا بها، نتيجة توقف أو تراجع عمليات التصدير برّا الى الأسواق العربية والخليجية، عبر سوريا التي ترزح منذ سنوات تحت ضغوط حروبها العشوائية.
وما قصّرت فيه أيادي البشر، تكفلت به الطبيعة هذا العام، برفع منسوب الخسائر، بسبب شح المتساقطات، التي أدت إلى نضوب الآبار الارتوازية، وتقلّص كميات المياه في الخزانات الجوفية، ما دفع بالمزارعين إلى تخفيف عملية ري البساتين والملكيات المثمرة، ما استتبع انخفاضا في حجم الإنتاجيات، وتراجعا ًعلى مستوى النضوج والجنى، والنوعيات الجيدة والأحجام الصغيرة.
منذ الخمسينيات...
هذه الزراعة التي تعاني خلال السنوات الأخيرة من أزمة حقيقيّة هي في الواقع من تراث منطقة البقاع الغربي وراشيا، منذ خمسينيات القرن الماضي، باعتبار هذه منطقة تتمتع بعوامل طبيعية، تؤدي تفاعلاً جيداً على مستوى نمو هذه الشجرة وجناها وإنتاجيتها، إن لجهة طبيعتها ومناخاتها الجبلية وتربتها الصالحة، أو لجهة ثروتها المائية المتعددة المصادر.
لم تعد هذه الزراعة تقتصر على منطقة معينة كما كانت في السابق، بل شهدت توسعاً ملحوظاً، على مستوى المساحات المزروعة، والمناطق المشمولة بهذه الزراعة، لتمتد من مشغرة الى عيتنيت، وعين زبدة، وباب مارع، وصغبين، وميذون، وعين التينة، وخربة قنافار وسهل جب جنين والقــرعون، وبعض المساحات المتفرقة في منطــــقة راشيا، حتى تجاوزت مساحـــة الأراضي المزروعــة بهذه الشجرة، حدود الـ15 ألـــف دونم، بمعدل إنتاج سنـــوي يتراوح بين 140 ـ 160 ألف قـــفص، زنة 20 كـــلغ للقفص الواحــد، ويعتاش من هذه الزراعة أكثر من 600 عائلة.
خسائر جسيمة
يرى المزارع محمد فياض من مشغرة ان الخسائر الجسيمة التي مني بها المزارع في الأعوام السابقة، نتيجة تراجع او توقف عمليات التصدير برّاً الى الدول العربية، بسبب الحرب الدائرة في سوريا، تضاعفت في هذا العام نتيجة شح المتساقطات، التي أثرت سلباً على مستوى حجم الإنتاج، وعلى مستوى حجم الجنى وجودة النضوج.
ويلفت فياض الانتباه الى ان «حجم الإنتاج من التفاح في مشغرة هذا العام، لم يتعد الـ35 ـ 40 ألف قفص، بينما المزارع كان يراهن على إنتاجية أكبر، وعلى نوعية أفضل، تتجاوز الـ60 ألف قفص، كي يعّوض ما فاته من خسائر». ويعزو فياض سبب هذا التراجع في الإنتاج الى «تراجع كمية مياه الآبار الإرتوازية، ومياه الخزانات الجوفية المستخدمة في عمليات الري»، موضحاً أن «نضوج جنى التفاح في بعض البساتين لم يكتمل كما في عيتنيت وخربة قنافار وصغبين، حيث اصيب الجنى بالهلاك والاهتراء، وتساقطت كميات كبيرة منه على الأرض».
فائض في الكمية
ويشير فياض إلى ان «السوق المحلية لا يمكن ان تستوعب الكمية المنتجة من التفاح، في ظل توقف او تراجع عمليات التصدير التي كانت ناشطة الى دول الخليج العربي وإلى الأردن ومصر وليبيا وسوريا والعراق، بسبب الحرب القائمة في سوريا، ما أدى الى تكدس الموسم في البرادات، مع ما يعني ذلك من زيادة على كلفة الإنتاج، التي لم تتوقف عند ارتفاع أسعار الأسمدة والأدوية والحراثة والرش والتشحيل والأيدي العاملة والمحروقات، وفوق الطين بلّة ثمن مياه الري، حيث تتجاوز كلفة ري الدونم الواحد الـ 20 ألف ليرة، إضافة الى 20 ألف ليرة كبدل «نطارة» سنوياً».
ويلفت فياض الانتباه الى ان «كلفة القفص الواحد من التفاح سنوياً، تصل الى حدود العشرة آلاف ليرة، بينما المزارع يضطر الى تسليمه الى تجار الجملة في السوق المحلية، بسعر لا يتعدى حدود 7 ـ 8 آلاف ليرة، أي بخسارة قد تتعدى الثلاثة آلاف ليرة في الصندوق الواحد، وفي حال نقله الى البرادات فإن الأمر يتطلب زيادة عالية في الكلفة، لا تقل عن خمسة آلاف ليرة كأجرة تبريد ونقل وثمن صناديق، لتصل عندها الكلفة الى حدود الخمسة عشر ألف ليرة».
وإذ يشبه فياض حالة المزارع «بالعتّال» عند تاجر الجملة، الذي يتحكم بالسوق وبالأرباح، وبفرض الأسعار التي تناسبه، يشكو مزارعون عبر «السفير» «تغاضي الدولة عن هموم المزارع، حيث لا مساعدات ولا دراسات جدية تنظر في وضعيته، وتوفر له الأرضية الصالحة لمشاريعه الزراعية».
غياب المساعدات
ويطالبون وزارة الزراعة بتوزيع الأدوية والأسمدة والمبيدات على المزارعين بأسعار تشجيعية، بدل رفع أسعارها كما فعلت بدواء «الأنفيدور» المستخدم لعلاج مرض «الأكاروز»، الذي وصل سعره الى 200 دولار، بدل 120 دولاراً، ومرض الآكاروز عبارة عن حشرة أي عناكب حمراء وبيضاء تمتص الأورق وتحولها الى يباس.
ويعدد مزارعون انواع الأمراض التي تصيب التفاح بدءاً بالمن، الى الرمد الفطري، فحشرة الدبق وذبابة البحر الأبيض المتوسط، التي باتت تتطلب الرش إسبوعياً، بدل الرش الشهري، مع ما يعني ذلك من زيادة في التكلفة، وهذه الذبابة تخترق حبة التفاح ما يؤدي الى هلاكها، علماً أنها تضع بذرة مرضها الى عام قادم.
في جولة «السفير» في البقاع الغربي يوضح مزارعون ان «المساعدات التي قدمتها وزارة الزراعة سابقاً، صبت في التعاونيات الزراعية المرخصة حديثاً، ولم تصل الى المزارعين المستحقين، لا بل اكثر من ذلك فإن هذه المساعدات انتشرت في الأسواق، وبيـعت لمن هو أحق بالاستفادة منها».
"السفير - شوقي الحاج"