في حين يلملم عام 2014 آخر أوراقه استعداداً للرحيل، لا يبدو أن هناك من يتمنى بقاءه بعد ما حمله من ويلات للاقتصاد اللبناني، إذ إنه لم يكن سوى امتداد للعام 2013 الذي أجمع المعنيون على وصفه بـ"عام الكارثة الاقتصادية" على كل الصعد وفي كل القطاعات. إذ شهدت معظم مفاصل الاقتصاد اللبناني تراجعاً على وقع استمرار الأزمة السورية وارتفاع عدد النازحين السوريين، واستمرار الشغور الرئاسي، وعدم الاستقرار السياسي والأمني.
ففي عام 2014، ازدادت معاناة لبنان بسبب أزمة النازحين التي تخطت مفاعيلها الانسانية والاجتماعية لتصبح مشكلة اقتصادية عبر تهديدها اللبنانيين في أشغالهم وأعمالهم التجارية".
وتابع لبنان تكبده للخسائر إذ شهدت البنى التحتية ترديا إضافيا بسبب ارتفاع عدد النازحين السوريين، كما عانت الحركة السياحية والتجارية والاستثمارية الخارجية والداخلية وحركة الصادرات من تراجع حاد.
وشهد سوق العمل زيادة العرض للعمال السوريين ما أدى الى ارتفاع نسبة البطالة الى 20% مع ازدياد أعداد العاطلين من العمل بواقع 300 ألف شخص.
وأشار البنك الدولي في تقرير أعده بطلب من الحكومة اللبنانية وبمشاركة الأمم المتحدة و"الاتحاد الأوروبي" و "صندوق النقد الدولي" الى أن عدد اللاجئين ارتفع بشكل دراماتيكي في شهر آب الماضي، وهو ما يشكل 21% من عدد سكان لبنان قبل بداية الأزمة السورية".
وأبرز التقرير انخفاض معدل النمو خلال الفترة الزمنية بين عامي 2012 و 2014، ومدى التأثير السلبي على نمو الناتج المحلي، ما أدى الى خسائر كبيرة في نسبة الأجور والأرباح والضرائب، حيث من المتوقع ان يزداد عدد الفقراء في لبنان بواقع 170 الف شخص ممن يعيشون بأقل من 4 دولارات في اليوم.
وأشار التقرير الى أن مجمل الخسائر المترتبة على الاقتصاد اللبناني من جراء الأزمة السورية ولا سيما تدفق النازحين الذي بلغ نحو 7.5 مليارات دولار.
وبحسب التقرير الدولي، فإن المبلغ الذي يجب إنفاقه لتغطية خسائر لبنان وإعادة الاستقرار وتحقيق الخدمات كما كانت قبل الأزمة 2.5 مليار دولار، وكلفة تداعيات الإنفاق الحكومي بـ 2.6 مليار دولار موضحاً أن الأزمة أثرت بشكل خاص على القطاعين التجاري والسياحي، إذ شهدت بداية عام 2014، نقصاً في تدفق السلع الغذائية والاستهلاكية، إذ يعتبر لبنان مستورداً لهذه السلع من سوريا، وهو الذي انعكس ارتفاعاً جنونياً على الأسعار، خصوصاً على الطبقتين الوسطى والفقيرة.
تراجع الصادرات
من جهة أخرى، أشارت الإسكوا في دراسة قامت بها الى "أن الأثر على لبنان يتجاوز بكثير موضوع النازحين ويتعلق بخسارة الصادرات اللبنانية الى الدول العربية عبر سوريا وتراجع مناخ الاستثمار". وكان مجموع قيمة الصادرات الصناعية اللبنانية قد انخفض خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2014 الى مليار و843 مليون دولار أميركي (د.أ.) مقابل 2 مليار و73 مليون د.أ. خلال الفترة عينها من العام 2013 و2 مليار و137 مليون د.أ. خلال الفترة عينها من العام 2012، أي بانخفاض ونسبته 11.1٪ مقارنةً مع العام 2013 و13.7٪ مقارنةً مع العام 2012.
وانخفض المعدل الشهري للصادرات خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2014 إذ سجل 263.3 مليون د.أ مقابل 296.2 مليون د.أ خلال الفترة عينها من العام 2013، و305.3 مليون د.أ خلال الفترة عينها من العام 2012.
"السياحي" يستنزف
كما شهدت المؤشرات السياحية تراجعاً ملحوظاً فالاضطرابات الأمنية والوضع الداخلي المتقلب شكلا عائقاً أمام استقطاب نسبة عاليه من السياح ولا سيما العرب إذ حذرت دول عدة وفي طليعتها دول الخليج رعاياها من السفر الى لبنان ما جعل القطاع يلامس االخط الأحمر نتيجة الخسائر التي تكبدها في موسم يعد الأسوأ على الإطلاق منذ سنوات. ونتيجة لهذا الواقع، استنزف القطاع في ظل تعثر كثير من المؤسسات السياحية بسبب المشاكل المالية، حيث شهدت معظم الفنادق إقفالاً جزئياً بلغت نسبته 40% للحد من الخسائر التي تتكبدها. كما شهد قطاع الفنادق تراجعا قارب الـ40% في نسبة التشغيل وانخفاضا في السعر الوسطي للغرفة بلغت نسبته 35%.
وتشير الإحصاءات الى أن معدل إشغال الفنادق ( فئة 4 و 5 نجوم) في بيروت تراجع الى 49% خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2014، مقابل 54 % في الفترة نفسها من العام الماضي، أي بتراجع نسبته 5%. كما تراجعت الإيرادات المحققة عن كل غرفة متوافرة بنسبة 13.6%، من 93 دولاراً حتى شهر آب 2013 الى 81 دولاراً حتى آب 2014.
وبلغت نسبة الموظفين والعمال الذين تركوا العمل في القطاع السياحي حوالى 45 ألف موظف وعامل من أصل 150 ألف، أي ما نسبته حوالى 30% خلال السنوات الأربع الأخيرة بعدما خسر لبنان أكثر من 350 ألف سائح كانوا يقصدونه عبر البر سنوياً.
ويلحظ تقرير "أرنست أند يونع" حول "أداء الفنادق ذات فئة الأربع والخمس نجوم في منطقة الشرق الأوسط"، أن "مدينة بيروت حظيت على ثالث أدنى نسبة إشغال فنادق ( 49%) بين عواصم المنطقة التي شملها التقرير خلال الأشهر الثمانية الأولى من علم 2014".
أما في ما يختص بتعرفة الغرفة، فيلحظ التقرير أن مدينة بيروت حظيت على سادس أعلى متوسط تعرفة للغرفة الواحدة، الذي بلغ 162 دولاراً حتى شهر آب الماضي مقابل 170 دولاراً في الفترة نفسها من العام الماضي".
حبيقة
وأبدى الخبير الاقتصادي د. لويس حبيقة في اتصال مع "الصناعة والاقتصاد"، تشاؤماً كبيراً في حديثه عن الاقتصاد اللبناني. وأعلن "أن الاقتصاد اللبناني يتجه الى التراجع والانحدار، فبعد أن نعم بنسب نمو مقبولة منذ عدة سنوات، تدنت هذه النسب في السنوات الأخيرة لتصل الى 1% في عام 2014 في أكثر التوقعات تفاؤلاً، فمن الممكن ألا يسجل الاقتصاد اللبناني نمواً هذا العام. وتوقع حبيقة أن يسجل الاقتصاد اللبناني نمواً سلبياً إذا بقيت الأوضاع في لبنان والمنطقة على ما هي عليه.
واعتبر حبيقة أن "هذا الوضع سيؤدي الى انخفاض كبير في فرص العمل ما سيدفع بالشباب اللبناني نحو الهجرة باتجاه الدول العربية وأفريقيا". وأوضح أن "هجرة الشباب تحمل خيراً للبنان في هذه الظروف. فلولا سفر هؤلاء الشباب لكان لبنان يومياً على موعد مع آلاف المتظاهرين المطالبين بفرص عمل في ساحة رياض الصلح، ولكان المجتمع اللبناني على موعد مع الانعكاسات الاجتماعية والأمنيه لنسب بطالة مرتفعة جداً ".
وأبدى حبيقة قلقا كبيراً من المستقبل، إذ إن تراجع الاقتصاد ناتج في معظمه من الوضع الإقليمي المتعثر وخاصة في سورية"، وقال: " مشاكل لبنان ليست جديدة فمنذ زمن بعيد يعاني اقتصاده من تبعاتها إلا أن الأمور كانت تبقى مقبولة نتيجة الاوضاع السورية المستقرة، بعكس هذه المرة".
ولفت حبيقة الى أن " المرحلة التي يمر بها الاقتصاد اللبناني هي الأسوأ منذ الاستقلال عام 1943"، وأضاف:" لا نستطيع تشبيه أزمة الاقتصاد اليوم بأي ازمة سابقة، فللبنان حدود برية واحدة وهي الحدود مع سورية ما يجعل الاستقرار السوري أمرا مهما جداً لاقتصاد لبنان". وراى أن لانخفاص أسعار النفط تأثيرا سلبيا على لبنان، إذ إنه سيقلص فرص العمل المتاحة للبنانيين في الخليج وسيؤدي الى انخفاض تحويلات اللبنانيين هناك الى أقربائهم في لبنان". وتابع: " ليس هناك ما نعول عليه لإنقاذ الاقتصاد، فثلثا مشاكلنا من الخارج وبالتالي هي أمور خارجة عن سيطرتنا، أـما الثلث المتعلق بالداخل اللبناني فيزيد الأزمة تعقيداّ في ظل عدم انتخاب رئيس للجمهورية والوضع النيابي المتشرذم، وواقع الإدارات إضافة الى وضع التغذية والغذاء ...".
واعتبر حبيقة أن أكثر القطاعات تضرراً هو قطاع السياحة، وإذ وصف وضعه بالكارثي، قال: " هناك عروض سياحية كثيرة في العالم بكلفة مقبولة قد تبعد السياح عن لبنان، وهذا يعني أن القطاعات الاقتصادية كافة ستتأثر سلباً إذ إن استهلاك السلع الزراعية والصناعية سينخفض". وتابع:" الفنادق والمطاعم في وضع حرج، وإذا لم يكن موسم الأعياد مزدهراً أعتقد أن عدة فنادق ستقفل".
وعد ابوذياب