إقتصاد لبنان ينعم بإيجابيات انخفاض أسعار النفط:
تعزيز للنمو ووفر كبير في المالية العامة
ترك انخفاض أسعار النفط العالمية بنسبة قاربت الـ50%، ارتياحاً في الأسواق اللبنانية وخلق فرصة للتعويض عن الخسائر التي أصابت مداخيل الأسر اللبنانية والتي ضاعفت أكلاف الإنتاج في المصانع وأثقلت السياسات النقدية. وتوقع تقرير للبنك الدولي أن ينعكس انخفاض أسعار النفط ومشتقاته إيجاباً على لبنان وبخفّض فاتورة العديد من الأكلاف فيه خصوصاً الفاتورة الكهربائية. كما سيعود بالنفع على المستهلكين ويعزز النمو.
النمو الاقتصادي
وكشف التقرير أن تحسُّن الوضع الأمني في أعقاب تبنِّى خطة أمنية في طرابلس وتشكيل حكومة جديدة ادى إلى تحسُّن طفيف في الوضع الإقتصادي للبنان. وزاد عدد السياح الوافدين 40 % في أيلول 2014 بالمقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وزادت تراخيص البناء بنسبة 8.4%، وأدَّى ذلك كله إلى نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي ربع السنوي وفق قياس مؤشر البنك الدولي لحركة النشاط الإقتصادي مسجلاً قراءة إيجابية في الربع الثاني لعام 2014 بالمقارنة بالعام السابق. وتذهب تقديرات البنك الدولي إلى أن النمو في عام 2014 سيزيد زيادةً طفيفة إلى 1.5% مرتفعاً عن المعدل الذي تحقَّق في 2013 وهو 0.9 %، ولكن من المتوقع أن يبقي النمو ضعيفا وألا يتجاوز 2% في عام 2015 وهو ما يقل كثيراً عن مستواه المرتفع في فترة ما قبل عام 2011.
وأشار إلى أنه من المتوقع أن يكون الأثر الكلي على اقتصاد لبنان إيجابياً. ففي جانب المالية العامة، ستحقَّق وفراً كبيراً يأتي معظمه من انخفاض مدفوعات الحكومة لشركات الكهرباء. ومن المحتمل أن يشهد ميزان المدفوعات أثراً صافياً مؤاتيا لأن تراجع واردات الطاقة سيطغى أثره على نقصان تحويلات المغتربين. ويحيط الغموض بالأثر على القطاع الحقيقي، إذ إن انخفاض أسعار المنتجات البترولية سيعزز الاستهلاك الخاص من ناحية، لكن تراجع تحويلات المغتربين اللبنانيين في البلدان المنتجة للنفط قد يُضعِف هذا الاستهلاك من ناحية أخرى.
المالية العامة
وبفضل انخفاض أسعار النفط، سيتحسَّن وضع المالية العامة للبنان الذي يتسم بأوجه ضعف هيكلية. ومن المُتوقَّع أن يزداد العجز الكلي لميزانية الحكومة المركزية إلى 10.2% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014 صعوداً من 9.4 % من الإجمالي في عام 2013. ومن المنتظر أيضا أن تُسجِّل البلاد عجزاً أوليا في المالية العامة في 2014 وذلك للسنة الثالثة على التوالي ليصل إلى 1.2% من إجمالي الناتج المحلي. وتشير التوقعات بحسب التقرير إلى أن الدين العام الإجمالي سيصل إلى 149 % من إجمالي الناتج المحلي في نهاية 2014. وسيكون الأثر الأولي لانخفاض أسعار النفط من خلال المدفوعات إلى شركة كهرباء لبنان. وفي الماضي، لم تُستخدم المدفوعات الحكومية لشركة كهرباء لبنان لأغراض الاستثمار. وقد تراجعت طاقة توليد الكهرباء بينما ازداد الطلب. وتبلغ طاقة توليد الكهرباء حالياً 2019 ميغاوات بالمقارنة بالطلب وقت الذروة البالغ 3195 ميغاوات، وهو ما يؤدي إلى انقطاعات يومية للتيار يجري في العادة التعويض عنها بإمدادات من موردين من القطاع الخاص. وكبَّد هؤلاء المُورِّدون المستهلكين تكلفة إضافية كبيرة تعادل ثلاثة أمثال مستوى رسوم شركة كهرباء لبنان، وهو ما أثنى السلطات عن رفع رسوم الكهرباء التي كانت ثابتة منذ عام 1996 (حينما كان سعر النفط 25 دولاراً للبرميل). ونتيجة لذلك، لا تُغطِّي الشركة سوى جزء ضئيل من تكاليفها، الأمر الذي خلق عجزاً مزمناً تجري تغطيته من خلال مدفوعات مباشرة من الحكومة بلغت في المتوسط 3.9 % من إجمالي الناتج المحلي خلال السنوات العشر الماضية. وترتبط هذه المدفوعات بأسعار النفط، ويبلغ معامل الربط 0,4 منذ عام 2005. وفي السنوات القليلة الماضية، كانت أسعار النفط مرتفعة بشكل غير معتاد، وهو ما أدَّى إلى زيادة المدفوعات الحكومية لشركة كهرباء لبنان التي بلغت في المتوسط 4.7 % من إجمالي الناتج المحلي منذ عام 2011. وسيكون لانخفاض أسعار النفط أثر إيجابي على وضع المالية العامة من خلال تقليص المدفوعات إلى الشركة، وإن كان بعد تأخير يتراوح من ستة أشهر إلى تسعة بالنظر إلى هيكل التعاقدات الجارية مع مُورِّدي زيت الوقود وزيت الغاز.
ميزان المعاملات الجارية
على الرغم من التأثُّر الشديد للبنان بالبلدان المصدرة للنفط من خلال تحويلات المغتربين والاستثمارات، نظراً لوضعه كمستورد صاف كبير للنفط، فمن المتوقع أن يتحسَّن ميزان مدفوعات هذا البلد. وتشير التنبؤات إلى أن عجز ميزان المعاملات الجارية سيحوم حول 8% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014، وهي نسبته نفسها في العامين السابقين. والعامل الرئيسي في هذا الوضع هو عجز كبير في الميزان التجاري بلغ في المتوسط 34 % من إجمالي الناتج المحلي منذ عام 2010. ولأن لبنان مستورد صاف للنفط فإن وارداته من الطاقة عامل رئيسي من عوامل العجز التجاري الذي بلغ في المتوسط 8.3 % من إجمالي الناتج المحلي خلال الفترة نفسها. وفضلاً عن ذلك، فإنه لتلبية احتياجات ميزان المدفوعات، سيظل لبنان معتمداً على التدفقات المالية الداخلة، التي يأتي جزء كبير منها من طريق تحويلات المغتربين، وتعادل نحو 6.5 % من إجمالي الناتج المحلي (متوسط السنوات 2010-2013). وتتأثَّر تحويلات المغتربين أيضا بسعر النفط، لأن جزءاً كبيراً من هذه التحويلات يأتي من الجالية اللبنانية الكبيرة في منطقة مجلس التعاون الخليجي. وهذه المنطقة أيضا مصدر مهم لدخل الكثير من مؤسسات الأعمال اللبنانية.
وفي وجه عام، من المتوقع أن يكون لانخفاض أسعار النفط أثران يعوضان بعضهما بعضا على ميزان المدفوعات في لبنان. الأول إيجابي ينشأ من انخفاض واردات الطاقة، والثاني سلبي يرجع إلى انخفاض متحصِّلات الدخل، وتتوقَّف المحصلة النهائية على المرونة النسبية لواردات الطاقة ومتحصلات الدخل بالنسبة إلى سعر النفط. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن المرونة النسبية لواردات الطاقة ومتحصلات الدخل بالنسبة إلى أسعار النفط تبلغ 0.25 و0.12 على الترتيب للفترة كانون الثاني 2010- تموز 2013. ونظراً إلى أن واردات الطاقة أيضا أكبر من متحصِّلات الدخل، فإن هذا ينبئ بأن انخفاض أسعار النفط سيكون له بوجه عام أثر إيجابي على ميزان المدفوعات.
النمو والتضخم
أما الأثر المتوقع على النمو فيكتنفه الغموض وسيتوقَّف على طول مدة انخفاض أسعار النفط وتوقعاتها. وسيعود هبوط أسعار النفط بالنفع على المستهلكين، ويُعزِّز النمو، بافتراض ثبات العوامل الأخرى، لكن من ناحية أخرى قد تتعرض تحويلات المغتربين من البلدان المنتجة للنفط لضغوط إذا استمر انخفاض أسعار النفط فترة طويلة. وستتراجع معدلات التضخم الأساسي مع انخفاض أسعار النفط.