صناعة الشوكولا في لبنان.. نجاحٌ عالمي
قدرات تنافسية عالية قوامها الإحتراف والإبتكار
يعاني القطاع الصناعي اللبناني بمجالاته المختلفة من عدة تحديات تحد من تقدّمه في ظل بيئة إقتصادية صعبة، ولكن يتابع صناعيو الشوكولا في لبنان تقدّمهم مخترقين الأسواق الخارجية، حاجزين لهم بفضل تألّقهم مكاناً بين أرقى الماركات العالمية في صناعة الشوكولا على المستويات العالميّة.
وكانت صناعة الشوكولاته قد شهدت نمواً عالمياً لافتاً خلال السنوات الأخيرة الماضية، واكبها الصناعيون اللبنانيون بتوجههم نحو المزيد من التطوّر عبر إحترافهم لعملهم وإتباعهم العديد من التقنيات المميزة ".
وتزدهر صناعة الشوكولا في لبنان حيث يولي أصحاب المصانع الجودة والمؤهّلات التجاريّة إهتماماً كبيراً مكّنهم من تقديم مجموعة من المنتجات المميّزة التي أصبحت رفيقة المستهلكين في أوقات الأفراح والتخرّج والأعياد والمناسبات على أنواعها.
ولعلّ حال الإشباع التي تعاني منها السوق اللبنانية دفعت صناعيي الشوكولا إلى الانفتاح على الأسواق الخارجية وشكّلت لهم في الوقت نفسه حافزاً لتوسيع أعمالهم ولا سيما أن الشوكولا اللبنانيّة تتمتع بمميزات تنافسية كبيرة إذ تتمتع بمعايير عالميّة وبسعر منافس، ما ساهم في نجاح الشركات اللبنانية وسيرها على خطّ التصدير والترويج لمنتجاتها. فكثيرة هي الشركات اللبنانية العاملة في صناعة الشوكولا والتي تمكّنت من الولوج إلى أسواق دول كثيرة محققةً النجاح تلو الآخر عاكسةً بذلك تصميماً كبيراً على بلوغ أرقى المستويات في صناعة الشوكولا.
عمل مربح
وفي الواقع، تعتبر صناعة الشوكولا من أقدم الصناعات إذ تعود إلى ما قبل الميلاد، وتكتسب أهميتها من المكانة التي تحتلها الشوكولا في قلب مستهلكيها على اختلاف أعمارهم، فالشوكولا معشوقة الجماهير والهدية رقم واحد والثالثة في إدمانات الشباب والطعام الأول المرغوب للأطفال والنساء والذي يتم استهلاك 95 طناً منه في كل ثانية في العالم.
وباتت صناعة الشوكولا تعرف بالعمل المربح حتى في أوقات الأزمات، ففي عام 2009 عندما كان العالم يمرّ بإحدى أسوأ الصعوبات الإقتصاديّة في التاريخ الحديث، كانت أعمال صناعة الشوكولاته تزدهر، تماماً كما أثبتت تجارب الأزمات الإقتصاديّة السابقة. ففي الفصل الثاني من ذلك العام تحديداً، ونمت مبيعات الشوكولاته عالمياً لدى بعض الشركات بنسبة تجاوزت 10%.
ويعزو المحلّلون والقيّمون على الصناعة هذا النمو إلى واقع أنّ الأفراد، في إطار عمليّة خفض الإنفاق خلال الأزمات، يبقون في منازلهم: يجلسون على الأريكة، يشاهدون التلفاز، ويأكلون المنتجات اللذيذة، وبينها تلك الحلوة التي يشكّل الشوكولا بأنواعه المتعددة أبرزها.
كما ساهم تركيز الأبحاث الطبيّة على فوائد الشوكولا على الصعيد الصحّي والغذائي، وتأثيره الإيجابي على القلب والشرايين والضغط، في سلوك الطلب على الشوكولا منحى تصاعدياً إيجابياً حفّز الشركات على المزيد من التوسّع في أعمالها.
أسباب النجاح
ويعود تألّق اللبنانيين في صناعة الشوكولا في الدرجة الأولى إلى الإهتمام البالغ بجودة المنتوجات وضبط معدلاتها عبر اختيار المواد الأولية، أو آلية التحضير والتصنيع أو لجهة تغليفها لتقديمها إلى المستهلك. وساهم هذا الجمع بين النكهة اللذيذة والجودة العالية والتغليف الأنيق في جعلها طلباً للمستهلكين ما شرّع أمامها أبواب الأسواق الخارجية. فالذوق اللبناني المتنوع والمتجدد وقدرته على ابتكار نكهات متعددة أعطت إنتاجه قدرات تنافسية عالية جداً، ولا سيما أنَّ بعض صانعي الشوكولا يعمدون إلى ابتكار حشوات متنوّعة تشبع حاجات المستهلكين مهما اختلفت وتنوّعت في الأسواق الداخلية كما الخارجية.
وتشكّل حداثة مصانع الشوكولا في لبنان سبباً أساسياً في نجاح هذه الصناعة إذ من شأنها تقديم إنتاج عالي الجودة يراعي معايير السلامة الغذائية والنظافة، كما يلبّي شروط شهادات الجودة كالـISO مثلاّ التي يعمل الكثير من المصانع للحصول عليها لتسهيل تصدير منتجاتهم إلى الخارج.
لبنان والشوكولا
وفي الواقع لا تتوافر ارقام حديثة عن استهلاك الشوكولا في لبنان، لكن وفقاً لدراسة أجراها أصحاب معامل الشوكولاته في لبنان يستهلك اللبنانيون 300 طن من هذه المادة سنوياً، وأن لدى كل عائلة لبنانية مؤلفة من أربعة أشخاص ميزانية خاصة لشرائها أسبوعياً تتراوح ما بين الدولار والثلاثة دولارات.
وتعتبر الشوكولا متعة لمتذوقيها، ولا سيما بالنسبة إلى أولئك الذين يتناولونها ساخنة على الطريقة الأميركية او الإيرلندية، وهو أمر شائع لدى طلاب الجامعات والمدارس الذين يرتادون المقاهي الأجنبية في لبنان.
وتلاقي الشوكولا التي يتناولها اللبنانيون ويستعملونها في الضيافة رواجاً كبيراً لدى مختلف الطبقات، وترتفع نسبة شراء الشوكولاته لدى اللبنانيين في المناسبات والأعياد. وتتنافس محال بيع الشكولا على تقديم بضاعتها بشكل مميز يلفت نظر الزبون ويدفعه إلى الشراء. ويظهر الأمر واضحاً من خلال ورق التوليف المذهب أو الفضي أو غيره، وكذلك من المحتوى الذي يتألف من اللوز والفستق أو الكراميل.
التحديات
وعلى الرغم من الأوضاع الجيدة التي تسود قطاع صناعة الشوكولا، فهناك الكثير من التحديات التي تواجه هذه الصناعة أبرزها حال عدم الإستقرار التي يشهدها لبنان والتي تدفع الصناعيين إلى التروّي في توسيع مصانعهم أو بناء مصانع جديدة في ظل الظروف الراهنة التي تعم البلاد.
ويشير بعض أصحاب المصانع إلى النقص الكبير في المهارات والكفاءات في مجال العمالة المتخصصة في صناعة الشوكولا، ما يدفع الشركات العاملة في القطاع إلى إخضاع اليد العاملة العادية إلى دورات تدريب مكثّفة لتقديم إنتاج يتمتع بمستوى عالٍ من الجودة والحرفية". ويقترح المتابعون في هذا الإطار، "أن تقوم الدولة بإنشاء معاهد ومدارس مهنية قادرة على تلبية حاجة السوق في المهن المختلفة التي تعاني نقصا من هذه الناحية".
ويشكل ارتفاع الأكلاف التشغيلية كالطاقة والمياه وكلفة اليد العاملة اللبنانية في مصانع الشوكولا، فضلاً عن القوانين العشوائية والآليات المعقّدة أحد أبرز التحديات التي تواجه هذه الصناعة وتتطلب حلاً سريعاً.