الهيئات الإقتصادية تقف بالمرصاد لتفعيل دور الدولة في حماية الإقتصاد
القصار: أيام صعبة تلوح في الأفق
دخل الإقتصاد اللبناني عام 2015 مرحلة مفصلية بعدما استفحلت الأزمة السياسية في البلاد وأصابت محركاته بتصدع كبير ما وضعه في مربع من الإنكماش والجمود والأداء الضعيف الذي وصف بالأسوأ منذ العام 2010.
علت أصوات كثيرة في الداخل اللبناني تطالب بوجوب وضع الخلافات السياسية جانباً لمنع التدهور الإقتصادي المستمر والذي قد يؤدي إلى عواقب كارثية كان أبرزها الصرخة التي أطلقتها الهيئات الإقتصادية في البيال تحت عنوان "نداء 25 حزيران ... لقرار ضد الإنتحار". نعم، رأت آنذاك الهيئات الإقتصادية أن التهاوي الإقتصادي العائد بشكل كبير إلى الفوضى وسوء تدبير الأمور في ظل تخاذل الطبقة السياسية عن إيجاد الحلول للأزمات العالقة "إنتحار بفعل إرادي". لعلّ الصرخة كانت مدويّة حيث شهد البيال آنذاك تجمعاً كبيراً للقيمين على الإقتصاد، إذ تداعت الهيئات الإقتصادية لمناشدة أهل السياسة الإسراع في انتخاب رئيس جمهورية. والتقت قوى الإنتاج عمالاً وأصحاب عمل ونقابات مهن حرّة وهيئات المجتمع المدني للتحذير من تحوّل الفراغ المؤقت إلى مأزق دائم يقضي على كل أمل بالنهوض الإقتصادي والإجتماعي والوطني، رافضة الرضوخ للأمر الواقع والإستسلام للتلاشي والموت البطيء.
جهود الهيئات الإقتصادية لم تقف عند أي حد إذ لا توفر أية جهد إلا وتبذله من أجل الحفاظ على الإقتصاد والنهوض به. وفي هذا الإطار عبّر رئيس الهيئات الإقتصادية عدنان القصار عن قلقه من غياب الرؤية الإقتصادية لبناء اقتصاد ذي قيمة مضافة عالية، إذ إنها ضرورية جدا لإدارة الإقتصاد والعبور به وسط البراكين المضطربة في المنطقة وتداعياتها. ورأى في حديث مع "الصناعة والإقتصاد" أن "المطلوب أن يضع السياسيون خلافاتهم جانبا، وينكبوا على الشؤون الإقتصادية والحياتية، بإقرار وتنفيذ استراتيجية للتنمية والإصلاح والحد من الفساد، تستجيب لتطلعات المجتمع اللبناني بمكوناته كافة ، وتحمي لقمة عيش المواطن وتضمن حقه بالحياة الطبيعية".
واعتبر القصار أن "الإقتصاد اللبناني يملك جميع مقومات النمو، ولديه طاقات لم تستثمر بعد بشكل كامل، ولكنه يحتاج إلى إدارة فاعلة قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة للنهوض والتطوير وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص". وقال: "نحن اليوم أحوج ما نكون لنلمس من السياسيين جميعا التزاما حقيقيا بكل ما للكلمة من معنى، بعيدا من الشعارات والنظريات والتحليلات، حيث كل يرمي الكرة في ملعب الطرف الآخر. وليتحمل الجميع مسؤولياتهم تجاه الوطن الذي لا يليق به أن يكون ملعبا للمكائد السياسية. فالتاريخ لن يغفر لمن يتهاون أو يستخف أو يفرط في خدمة بلاده".
صعوبات جمّة
ورأى القصار أنه "ليس خافيا على أحد الصعوبات التي واجهت وتواجه الإقتصاد اللبناني في العام 2015، والذي يتحمل ما يفوق طاقته، ليس لأسباب إقتصادية، بل بسبب انعكاسات الأزمة السياسية الداخلية والانقسامات الحادة بين الأطراف السياسيين التي أرخت بثقلها على العمل والأداء الحكومي والتشريعي". وأشار إلى أن "استمرار الشغور في سدّة الرئاسة منذ أيار 2014 أثر سلبا في الثقة بالإقتصاد، ناهيك عن تفاقم أزمة الكهرباء ونشوء أزمات ضاغطة جديدة مثل أزمة النفايات، بالتزامن مع تصاعد الدين العام، والضغوط على مالية الدولة، وغيرها من المشكلات الهيكلية". ولفت إلى "أن لبنان يتأثر بالأوضاع المضطربة التي تمر بها المنطقة، مع استمرار تداعيات الأزمة السورية على الوضع الداخلي".
وإذ شدّد على أن " كل تلك المعطيات انعكست تراجعا في عدد من المؤشرات الإقتصادية، مع الصعوبات المالية التي تواجه الشركات التجارية، ولا سيما قطاعات السياحة والعقار والاستثمارات"، توقع أن يصل التراجع في عجز الحساب الجاري إلى نسبة 21% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية عام 2015".
تلافي الركود
واوضح القصار "أن الإقتصاد اللبناني استطاع أن يتلافى الركود ليبقى النمو في المنحى الإيجابي عند معدل يتوقع أن يبلغ بنهاية العام 2015 نسبة 2%. ذلك أن المقومات الإقتصادية الأساسية متينة وصامدة بفضل الاستقرار النسبي مقارنة بالدول المجاورة، والثقة بالإقتصاد اللبناني، وصحة القطاع المصرفي وسعة السيولة والملاءة العالية، والسياسات الحكيمة والريادية لسعادة حاكم المصرف المركزي الأستاذ رياض سلامة، الذي يكرس المتانة المالية التي استطاع تحقيقها لخدمة النمو الإقتصادي والاستقرار الاجتماعي". ورأى أن " المصرف المركزي يضطلع الآن بدور ريادي في إطلاق الرزم المالية التحفيزية التي تستهدف القطاعات الإقتصادية الحيوية للمستقبل، وتركز على توفير الفرص للشباب، والشركات الصغيرة والمتوسطة، والمشروعات الناشئة، والمتعلقة باقتصاد المعرفة، وبالبيئة، والطاقة المتجددة".
أوضاع أفضل
وفي حين أمل القصار أن تكون الأوضاع أفضل للعام المقبل 2016 حيث تشير التوقعات إلى زيادة في معدل النمو بنحو 2.5% في الحد الأدنى، حذّر القصار من "أيام صعبة تلوح في الأفق لو استمرت الخلافات السياسية على حالها لأن الإقتصاد يتأثر بشكل كبير بالوضع السياسي الداخلي، خصوصا في ظل غياب خطة إقتصادية للنهوض باقتصاد لبنان وتحقيق النمو المطلوب، لأن النمو وحده قادر على قلب الموازين".
وفي رد حول أبرز التحديات التي ستواجه الإقتصاد اللبناني في 2016، قال: "تتقدم القضايا الإقتصادية والحياتية من حيث الأهمية بالنسبة للتحديات التي تواجه الإقتصاد اللبناني، ويتصدرها الوضع الإقتصادي، وأزمة الكهرباء، والبطالة. كما أن أزمة النفايات يجب أن تحل بأسرع وقت ممكن. وينبغي ألا تمر من دون التعلم من التجارب. ثم إن الأزمات الحادة التي يعيشها محيطنا تنعكس سلبا على لبنان، ولا سيما في موضوع النازحين وكلفتهم والمخاطر التي تؤثر على النمو في ظل عدم مواكبة التداعيات بإجراءات تجعل الاستقرار أفضل".
دور الهيئات
وفي إطار حديثه عن دور الهيئات الإقتصادية في مواجهة هذه التحديات، اعتبر القصار أن "الهيئات الإقتصادية مؤمنة بالإقتصاد اللبناني وفرصه الواعدة، وثقتها كبيرة بمستقبل واعد لبلدها، وملتزمة الاستثمار فيه وإنمائه بكل طاقتها. وشدّد على أن "الهيئات الإقتصادية ستبقى بالمرصاد لتفعيل دور الدولة في حماية الإقتصاد ولتجاوز الأزمة ووقف التمادي في تفويت الفرص على الإقتصاد اللبناني الذي يتحمل أكثر من طاقته بسبب عدم توافق السياسيين على الوفاء بالاستحقاقات الدستورية، والإمعان في التجاذبات السياسية التي تنعكس حكما على الأوضاع الإقتصادية على المستويات كافة ، كما تنعكس على المواطن العادي في حياته اليومية وفي رزقه ومعيشته، ناهيك عن التراجع المستمر في كفاءة الخدمات العامة". وإذ اعتبر أنه "ما يزال هناك فرصة تاريخيّة من أجل حماية بلدنا وإنقاذه للوصول به إلى بر الأمان"، رأى أن "المطلوب هو تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الضيقة، والتي تقتضي توفير الاستقرار السياسي والحياة السياسية الطبيعية، وذلك يبدأ أولا بالنزول إلى المجلس النيابي، وانتخاب رئيس للجمهورية في أقرب فرصة ممكنة، لما لذلك من أهمية حيوية للإقتصاد الوطني".