"الكلام عن الإهتمام بالسياحة وإهمال باقي القطاعات يعكس خداعاً وقلّة مسؤولية"
الحاج حسن يسأل: أين تتعارض الصناعة مع السياحة ؟
لا يشبه غيره من الوزراء الذين تعاقبوا على استلام حقيبة وزارة الصناعة، فوضعه الإصبع على الجرح في كل مناسبة من دون كلل أو ملل يجعله أمل كل الصناعيين.
يتكلم بصراحة دائماً، عاكساً شفلفية كبيرة في حديثه من شأنها وضع النقاط على الحروف. إنه وزير الصناعة حسين الحاج حسن الذي لا يوفّر أي فرصة إلا ويضيء فيها على الإهمال المتعمّد للقطاع الصناعي الذي وقع ضحية انحياز البعض للسياحة التي يؤكد "أنه ليس ضدها"، مشدداً على أنه لا يجد أي تضارب بينها وبين القطاع الصناعي.
في حديثه مع "الصناعة والإقتصاد"، تناول الحاج حسن أنه لا يجد أي تضارب بينها وبين القطاع الصناعي، فأضاء على "غياب الدعم" للقطاع ومساعيه المستمرة في هذا المجال. وعبّر عن عن استيائه الشديد من آلية التعاطي مع الملف الصناعي في السنوات السابقة. وقال: " يقول البعض إنه مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري تغيّر واقع القطاع، وبدوري أؤكد أن هذا الكلام غير صحيح، إذ إن واقع القطاع لم يكن جيداً منذ ما قبل 2005. فهناك صناعات اختفت ومصانع أقفلت. كان يضم القطاع الصناعي في لبنان صناعة الأحذية والنسيج والسيراميك، هذه الصناعات غير موجودة اليوم، ولا بد من السؤال عن السبب و سيما أن وضع الصناعات الأخرى ليس أفضل ".
ما بين السياحة والصناعة
وإذ شدّد الحاج حسن "على أن من تعاطوا في الملف الإقتصادي في السنوات السابقة أرادوا لبنان بلداً سياحياً"، سأل: أين تتعارض السياحة مع الصناعة؟". وعرض عدة أرقام مقارناً حجم تصدير بعض الدول الصناعي مع لبنان. وقال: "مجموعة أمثال بسيطة تبيّن لنا واقع القطاع الصناعي في لبنان. فلبنان مساحته 10 آلاف كلم2 وعدد سكانه 4 ملايين نسمة ، أما كتالونيا فمساحتها 30 الف كلم2 وعدد سكانها 8 ملايين نسمة. كتالونيا تصدّر بـ75 مليار دولار ولبنان يصدّر بـ4 مليارات دولار. كما أن النمسا التي يبلغ عدد سكانها 8 ملايين نسمة تصدّر بـ160 مليار دولار، أما سنغافور التي يبلغ عدد سكانها 4 مليون نسمة فتصدّر بـ200 مليار دولار".
وسأل: "هل هذه الأرقام تعني أن النمسا وسنغافور وكتالونيا بلدان غير سياحية؟ يقولون نريد بلداً سياحياً، ولكن لماذا نهمل الصناعة؟ ألا يمكن إيلاء الإهتمام اللازم للقطاعات كافة ؟".
وأشار إلى أنه "ليس ضد السياحة، ولا بد من السؤال إن كان أهل النمسا وسنغافور وكتالونيا ضد السياحة"، ولفت إلى أن " كلام المسؤولين عن الإهتمام بالسياحة وإهمال باقي القطاعات يعكس خداعاً وقلة مسؤولية في التعاطي مع الملف الإقتصادي".
دعم الصناعة
وأوضح الحاج حسن أن غياب القطاعين الصناعي والزراعي عن اهتمامات المعنيين بالشأن الإقتصادي وتفضيل التجارة على القطاعات الإنتاجية أوصل عجز الميزان التجاري إلى 17 مليار دولار، وطرح سؤالاً كبيراً فحواه: كيف نقدم فرص عمل؟.
ورأى أن "ما يعطيه البعض من ذريعة متمثلة بارتفاع كلفة الإنتاج الصناعي في لبنان لعدم إيلاء القطاع الصناعي الإهتمام اللازم غير صحيح، والدليل أن القطاع الصناعي في النمسا لا ينعم بكلفة إنتاج منخفضة؟.
كما اعتبر أن اعتقاد البعض بمقولة أن "لا دعم لقطاعي الصناعة والزراعة في الاقتصاد الدولي غير دقيقة، فعلى سبيل المثال يقدم الاقتصاد البريطاني دعماً لقطاعاته الإنتاجية، كما أن دولاً مختلفة في العالم تلجأ إلى وضع عقبات تجارية أمام تدفق الإنتاج المستورد إلى أسواقها، ولا يشكل نقاش الصين وأميركا، أكبر قوتين إقتصاديتين في العالم، إلا دليلاً واضحاً على عدم وجود تجارة حرة في العالم".
وعن دوره في دعم القطاع الصناعي كوزير صناعة، قال الحاج حسن: " عندما كنت وزيراً للزراعة أرسيت دعماً وحماية للقطاع. لكن في وزارة الصناعة، وكما يعرف الجميع، الظروف عاكستنا. فبعد ثلاثة أشهر من تشكيل الحكومة وقع الفراغ الرئاسي وألقى بتبعاته على الحكومة والمجلس النيابي إضافة إلى سوء الأوضاع الأمنية والإقتصادية. أنا لم أقف في مكان، وأعمل ما بوسعي ضمن صلاحياتي لتشجيع الصناعة الوطنية، وخلق فرص عمل وتخفيض عجز الميزان التجاري، وفي هذا الإطار وقعت قرارات عدة بهدف حماية القطاع وكان آخرها قراراً لتنظيم تجارة الألمنيوم. لكن هناك بعض المسائل التي تحتاج إلى عدة وزارات وإلى قرارات حكومية. وأنا في جعبتي العديد من القرارات المحضّرة والتي تحتاج إلى بحث في مجلس الوزراء والتي تحمي القطاع الصناعي بشكلٍ كبير وتدعمه".
التعاون بين الوزارات
وفي رد على سؤال حول مصير هذه القرارات إذا انتهى عهد هذه الحكومة من دون بحثها، لفت الحاج حسن إلى "عدم وجود استمرارية بين وزير ووزير لاحق في أي وزارة من الوزارات في لبنان". وأسف لعدم وجود إيمان بوزارة الصناعة، كاشفاً أن "آخر وزارة تصنّف بين الوزارات في لبنان هي وزارة الصناعة التي تحتل أيضاً المركز الأخير في الموازنة وعدد الموظفين وفي الترتيب بين الوزارات". ورأى أن الحل لعدم إيلاء القطاع الصناعي الإهتمام اللازم يكمن في العمل لتصحيح مسارٍ من التعاطي عمره 20 أو 30 سنة.
وعما إذا كان هناك تعاون بين الوزارات في ظل الوضع الحكومي الراهن، شدّد الحاج حسن على "أن هناك تواصل إيجابي دائم بين الوزارات رغم الشلل الحكومي".
وفي رد على سؤال حول ما إذا كان راضياً عن عمله في وزارة الصناعة على مدى سنة و9 أشهر، قال: "انا لست راضياً عما قدمته، أنا مسؤول لكنني لست مقصراً بل قاصراً. والقاصر هو الشخص الذي لا يستطيع العمل نتيجة الظروف، ويختلف عن المقصّر الذي لا يقوم بعمله. الظروف صعبة لكن الوضع جيد، وأنا لا أراه كله اسود في ظل الظروف المحيطة بنا".
المدن الصناعية
واعتبر الحاج حسن أن المدن الصناعية ركيزة أساسية في السياسات الصناعية، وتناول في حديثه سياسة المدن الصناعية التي يتم العمل عليها حالياً، حيث قدمت الحكومة الإيطالية قرض البنى التحتية، وجرى توقيع اتفاقية مع اليونيدو بقيمة 500 ألف دولار لإنجاز الدراسات الخاصة بهذه المدن. وكشف أنه سيتم قريباً إطلاق الدراسات لثلاث مدن صناعية، على أن يتم بعد انتهاء الدراسات تلزيم بناها التحتية. وأعلن أن هناك تفاوضاً جارياً مع البنك الدولي والإتحاد الأوروبي لتمويل مدن صناعية أيضاً.
زيارات خارجية
وفي إطار حديثه عن سفره المتعدد إلى الخارج، أشار الحاج حسن إلى أن زيارته إلى العراق والتي بحث فيها موضوع الصادرات اللبنانية والإستثمار اللبناني كانت جد ناجحة حيث تتم حالياً متابعة نتائجها مع السفير العراقي، كما سيزور وزير الصحة العراقي لبنان في شهر شباط المقبل، ومن المتوقع أن تنتج عن هذه الزيارة نتائج مهمة.
وأشار إلى أن زيارته الأخيرة إلى الصين هدفت إلى بحث الإستثمار الصيني في لبنان وتحديداً في البنى التحتية.
وكشف أن وزير الصحة السوري د. نزار يازجي اتخذ قرارات تسهّل تصدير الأدوية اللبنانية إلى السوق السورية، وأعلن أن بحثاً يجري في هذا الموضوع مع مصر.
إقفال المعابر
واعتبر الحاج حسن أن لجوء الدولة إلى دعم التصدير البحري بمبلغ 20 مليون دولار كان عملاً جيداً، إذ إن الصادرات الصناعية شهدت انخفاضاً طفيفاً جداً بلغت نسبته 3%، ما يؤكد أن دعم التصدير البحري كانت له نتائج إيجابية جداً.
وفي رد على سؤال حول إمكانية فتح المعابر، قال: "بعض الدول غير مقتنعة بالحلول السلمية حتى الآن".
إغراق الأسواق
وتطرّق الحاج حسن إلى موضوغ إغراق الأسواق اللبنانية بالسلع المستوردة، وأسف لكون قوانين حماية المستهلك وحماية الإنتاج الوطني ومكافحة الإغراق قوانين تحتاج إلى آلية تطبيق معقّدة، وتحتاج إلى دينامية أكبر من تلك الموجودة في الدولة اللبنانية. وقال: "حددنا مكامن الخلل والصناعات التي تواجه إغراقاً، لكن هذا الموضوع يحتاج إلى سياسات طويلة المدى ومستقرة، والمشكلة هي أننا في بلد سياساته غير طويلة المدى وغير مستقرّة أو مستمرة ليس فقط في الصناعة بل في الأمور كافة".
وفي رد على سؤال حول ما إذا كان عام 2016 عام حماية الصناعة، أشار الحاج حسن إلى "أن العمل قائم حالياً من أجل الحماية والدعم، ومع تراكم الأعمال لا بد من جردة لها ولنتائجها لمعرفة ثمارها وما أنتجته على صعيد الحماية".