يحتاج الإقليم شهرياً إلى 804 ملايين دولار
بغداد وأربيل: النفط مقابل الرواتب يترنح
هل يسلك اقتراح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الخاص بتسليم موظفي إقليم كردستان العراق رواتبهم الشهرية على أن يلتزم قادته بتسليم النفط للحكومة الإتحادية، وموافقة حكومة الإقليم على هذه المبادرة؟
وعلى الرغم من الترحيبين المحلي والدولي بشأن الاتفاق المثير للجدل، إلا أنه بدا من الواضح أن تلك المباحثات لم تستند إلى "أساس دستوري"، وشابتها "ضبابية ملحوظة"، كما شهدت العلاقة بين بغداد وأربيل في الآونة الأخيرة تأزما نتيجة التناقضات بشأن الاتفاق النفطي، والنظر في أحقية كل طرف بالمستحقات المالية التي أصبحت الشغل الشاغل لكلا الطرفين، خاصة بعد الأزمة المالية وحال التقشف التي يمر بها البلد، نتيجة انخفاض أسعار النفط بشكل كبير.
وكما يبدو فإن مصير الاتفاق النفطي الهش بين الحكومة الاتحادية ببغداد وحكومة إقليم كردستان، بات مهددا بالإلغاء التام والعودة إلى نقطة الصفر، من جراء التدهور السياسي الحاصل في الإقليم والذي أعاد ذاكرة الكرد العراقيين إلى مرحلة الصدام المسلح بين الفرقاء السياسيين في تسعينيات القرن الماضي، في ظل انسداد سياسي مطنب حول انتخاب رئيس للإقليم، واتهامات متبادلة بالتفرد بالقرارات المصيرية كبيع النفط وغيره، من دون الرجوع إلى برلمان الإقليم أو أخذ رأي الشخصيات والأحزاب الأخرى.
إذ إن التدهور الأخير في المسار السياسي والاجتماعي في إقليم كردستان، وفي ظل هبوط حاد بأسعار النفط العالمية، واشتداد الأزمة الإقتصادية في الإقليم، وانعدام الشفافية في الاتفاقات النفطية التي أبرمتها حكومة الإقليم مع أنقرة، ولا يعلم بها إلا رئيس الإقليم مسعود برزاني ورئيس حكومته وابن شقيقه نجيرفان، ووزير النفط في الحكومة هورامي.
كما أن الاستعجال بصياغة اتفاق نفطي بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، قد وضع الاتفاق على شفا حفرة من الفشل، وبسببه فإن جهود سنوات من المفاوضات قد تذهب أدراج الرياح، في ظل عدم جدية أطراف الاتفاق على معالجة عيوبه، في حين تعدى الأمر إلى تاثير ذلك على العلاقة بين أطراف السلطة داخل الإقليم نفسه، بعد أن دبّ الخلاف بين رئيس الإقليم مسعود برزاني وشركائه في العملية السياسية داخل الإقليم.
ويمر إقليم كردستان العراق، ومنذ أن قرّر رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، مطلع العام الحالي، قطع حصة الإقليم من ميزانية البلاد والتي تُقدّر ووفق معدلات التصدير الحالية للنفط، بـ12 مليار دولار في السنة، بأزمة شديدة. ولم يخفِ كبار المسؤولين في تصريحاتهم أنّ خزينة الحكومة خاوية وأنّهم يريدون أن يقنعوا مصارف أجنبية بالموافقة على منح الإقليم قروضاً مالية بضمان النفط، من دون أن يتمكّنوا من تحقيق تقدم.
وبقيت مسألة دفع رواتب الموظفين في الإقليم والمقدّر عددهم الإجمالي بنحو نصف مليون شخص، من المشاكل الكبيرة التي يواجهها الإقليم، قبل أن تظهر مشكلة أكثر تعقيداً، وهي توفير ميزانيّة للحرب ضدّ تنظيم "داعش"، الذي يقاتل الأكراد على جبهة تبدأ بالحدود العراقيّة مع إيران وتنتهي بالحدود مع سورية.
في المقابل، لا يبدو حال الحكومة العراقيّة الجديدة أفضل من الإقليم. وعلى الرغم من أنّ الأموال كانت متوفّرة بشكل أفضل ممّا هو لدى الأكراد، لكن الحكومة كانت عاجزة عن فرض سلطاتها على نحو نصف البلاد، حيث يسيطر المسلحون على مساحات في شمالي وغربي البلاد، يضاف لها إقليم كردستان، حيث لا سلطة حقيقية لبغداد عليه.
وتفاقمت أزمة الحكومة في بغداد، في أعقاب التراجع الكبير في أسعار النفط وحاجتها لتعويض ذلك عبر زيادة الصادرات، والمخرج العملي هو الاتفاق مع الأكراد على أن يصدّروا لمصلحة الخزينة العراقية كميات من النفط، وكان الاتفاق على تصدير 550 ألف برميل يومياً. ودفع هذا الوضع الطرفين، في ظلّ وجود ضغوط خارجيّة وداخليّة، إلى البحث عن اتفاق من دون تأخير.
وفي سياق متّصل، يقول الكاتب السياسي الكردي، ريبوار كريم، إنّ "كل طرف استنفد أوراق اللعب التي لديه للظهور، وكأنّه ليس بحاجة للآخر وهو غير مكترث به، وكانت النتيجة أن إقليم كردستان عجز عن تصدير نفطه وتوفير الأموال وإدارة شؤونه بمعزل عن بغداد، وهو ليس قادراً على توفير ميزانية للحرب المفتوحة التي يخوضها منذ أشهر". ويضيف: "في المقابل، حاولت بغداد محاصرة الإقليم ومنع الأموال عنه ومنع رواتب موظفيه، قبل أن تجد نفسها تواجه عجزاً مالياً كبيراً، وباتت معرّضة لتهديدات حقيقية من "داعش" وتعجز عن استرداد الكثير من مناطقها، ما يعني حاجتها إلى قوات "البشمركة" الكرديّة لإسناد الجيش في تلك المهمة، لذا ذهب الطرفان إلى الاتفاق". ويكشف مصدر كردي أنّ من "أسباب الذهاب إلى الاتفاق بالنسبة لحكومة إقليم كردستان، وجود ضغوط أميركية وأخرى داخلية من الدول الإقليميّة، وبشكل خاص من إيران، دفعت بهذا الاتجاه".
وكمقدمة للاستعانة بقوات البشمركة الكردية في تحرير مناطق كالموصل من سيطرة "داعش"، يتضمّن الاتفاق بين الطرفين صرف مبلغ نحو مليار دولار للبشمركة بشكل فوري. ومن المرجّح أن يضغط الأميركيون أيضاً على الأكراد، للمشاركة في حرب تحرير الموصل، لكنّ يبدو أنّ الأكراد غير متحمّسين لذلك، حتى أن رئيس وزراء الإقليم، قال في تصريح إعلامي أخيراً، إنّ "الأكراد لا يريدون أن يُقتلوا من أجل العرب، ولا يريد العرب أيضاً فعل ذلك من أجل الأكراد"، في إشارة إلى الانقسام الطائفي والقومي الذي يعاني منه العراق.
ويبقى السؤال الأكثر الحاحا في هذا المشهد، هو أنه بعد بروز الصوت الكردي المعارض بقوة داخل الإقليم، ومع اشتداد المطالبة الشعبية بمعرفة مصير مئات الآلاف من براميل النفط المصدرة إلى تركيا، وفي ظل استمرار الهبوط الحاد بأسعار النفط بما لا يتوازى مع ارتفاع كلفة استخراجه من مناطق الإقليم خلافا لباقي المناطق العراقية، كل ذلك وسط عدم تطبيق الاتفاق لغاية الان، هل أن ذلك سيكون سببا لإلغاء الاعتراف بذلك الاتفاق تدريجيا، والتمهيد لاتفاق جديد قد لا يقل مشقة ووقتا عما استغرقه سابقه؟