مدين بـ20 مليار دولار لشركات النفط فقط
العراق.. من يرهن البلاد قطعة قطعة؟
أسئلة عديدة تطرح في أروقة المراقبين عن الوضع الإقتصادي الصعب في العراق، سواء من حيث ارتفاع مستوى المديونية، أو موضوع التعويضات وكذلك الحديث الجاري حالياً في الأوساط العراقية عن آفاق الإقتصاد العراقي الجديد، وكيفية بناء اقتصاد يستفيد من كل النكبات السابقة؟
كشف محللون في الشأن الإقتصادي المحلي، بأن العراق مدين بـ20 مليار دولار لشركات النفط، ولوجود العجز المالي الذي تشهده البلاد، فإن الوزارة تدفع مستحقات تلك الديون على شكل صادرات نفطية، لتكون نحو 48% من نفط البلاد وصادراته تدفع لتسديد المبالغ الطائلة، محذراً من انهيار إقتصادي.
وقال عصام الجلبي، وزير النفط السابق، توضيحا بارقام تفصيلية، يشرح فيها ان هذا الدين: " تراكم نتيجة عجز الحكومة السابقة والحالية عن تسديد المطالبات المتراكمة بسبب أستثمارات شركات النفط الأجنبية المتعاقدة مع حكومة بغداد فقط (عدا تلك المتعاقدة مع الأقليم) ضمن جولة التراخيص الأولى بشكل أساسي والأجور المترتبة لها نتيجة عملياتها التشغيلية".
وكان عادل عبد المهدي، وزير النفط العراقي، قد اعلن أن العراق مدين لشركات النفط بنحو 20 مليار دولار أميركي، وهي مستحقات تشكل مبالغ كبيرة وهائلة يجب دفعها مباشرة. وفي حال "لم نوفر المبالغ فهناك عقوبات ستحصل وتخفيض للإنتاج أو الذهاب إلى المديونية".
المعروف أن من بين الشركات الكبرى المرتبطة بعقود خدمة، "توتال" الفرنسية و"شل" الهولندية و"اكسون موبيل" الأميركية و"بي بي" البريطانية.
وقالت هيفاء زنكنة، إن: "هذا المبلغ يسدد إما نقدا أو كنفط خام وواضح أنه كلما يقل سعر النفط تزيد عدد البراميل التي تتقاضاها شركات النفط وعلى أفتراض سعر 50 دولارا لبرميل النفط العراقي فإن المديونية تعادل 460 مليون برميل لو سددت خلال سنة واحدة فسيعني تسليم 1.25 مليون برميل يوميا" .
وأضافت زنكنة: "وبأفتراض قدرة العراق على تصدير معدل 3 ملايين برميل يوميا (وهو ما لم يتحقق خلال شهري كانون الثاني وشباط (2915) حيث كان المعدل الفعلي هو 2.563 مليون برميل يوميا فقط حيث بلغ التصدير لشهر كانون الأول 2,535 ولشهر شباط 2.597 مليون برميل يوميا) فإن على العراق تسليم حوالى 41.6 ٪ من نفطه سدادا للديون للشركات أو بنسبة 48.7٪ لو أستمر المعدل الحالي".
وأشارت زنكنة بقولها إلى أن: "محاولة الحكومة تأجيل قسم من هذه الديون! ولو استمرت الشركات باستثماراتها لتحقيق معدلات الإنتاج (المعدلة) فهذا يعني تصاعد حجم الديون والتي لن تعالج إلا بزيادة حجم الصادرات وزيادة اسعار النفط! علما أن سعر النفط العراقي المتحقق لشهر كانون الثاني هو بحدود 41 دولارا للبرميل ولشهر شباط 47,43 دولار للبرميل". نقلاً عن كلام وزير النفط السابق.
وتساءل محللون إقتصاديون عن: "جدوى رفع الصادرات النفطية إذا بقيت على هذا المستوى من الإنتاج الضئيل، فكيف سنخرج منه ؟ بل الأهم من ذلك هل ستستطيع الحكومة دفع رواتب موظفيها منذ الشهر الحالي بدون أن ترهن البلاد قطعة قطعة لمن هب ودب "قانونيا" كما رهنت النفط؟".
وحذر الخبير الاقتصادي: "من مغبة كارثة إقتصادية وشيكة ستقع فيها الحكومة المركزية التي ستترتب عليها نتائج وخيمة سيتحمل عبئها المواطنون العراقيون، وسط انتشار الفساد وتراكم الديون العربية والدولية وشركات النفط والطاقة الأجنبية والمحلية، فضلاً عن تراكم رواتب الموظفين المحليين".
وقد حاول وليد خدوري، المستشار لدى نشرة "ميس" النفطية (16 كانون الأول 2012)، توضيح صورة السرقات السابقة الأخرى، بشكل موثق، عبر الإجابة عن عدد من الأسئلة، ومن بينها: "من ارتكب هذه السرقات؟ وهل سرقة ما قيمته مئات الملايين من الدولارات من النفط ممكنة من دون معرفة الجناة وعدم رفع دعاوى ولو غيابياً عليهم؟ أم هل الاستهتار بالمال العام أصبح شائعاً في ظل استشراء ثقافة الفساد؟".
يقول خدوري إن المبالغ المسروقة ضخمة جداً، تتيح للسارقين تبييضها أو استعمالها لأغراض سياسية. وهم إذا اطمأنوا إلى سرقة مئات الملايين من الدولارات في الماضي من دون مساءلة أو محاسبة، ما الذي سيردعهم عن سرقة ملايين أخرى عند تبوئهم مناصب ومسؤوليات سياسية وإقتصادية في المستقبل؟
يعتبر وليد خدوري، بأن عدم وجود نظام قياس دقيق لتدفق النفط من الآبار وخطوط الأنابيب منذ 2003، فتح مجالا واسعا للسرقة. ويعني غياب المقاييس أن فارقاً نسبته واحد في المئة لحمولة ناقلة عملاقة، إمكان الحصول خلسة على كمية من النفط تعادل 500 شاحنة تحمل كل منها نحو ألف غالون. ومع غياب الرقابة الحكومية وانتشار الفوضى وهيمنة العصابات، أثر الاحتلال الأمريكي، تنوعت طرق السرقة .
ونقلت صحيفة القدس العربية: "فمن خرق أنابيب النفط وتخزين النفط في مرافق عامة إلى سلب شاحنات النفط والمنتجات البترولية المنقولة براً. ومن تعاون السلطات المحلية الى توفير الحماية العشائرية مدفوعة الأجر لمصلحة احزاب مشاركة في السلطة وشخصيات حكومية متنفذة سياسيا وأمنيا. وتصل خسائر العراق من النفط المسروق إلى حوالى 120 مليار دولار، أي ما يزيد على الميزانية لمدة عام كامل، وبلغ في إحدى السنوات معدل 60 ألف برميل نفط يوميا"، حسب عصام الجلبي.
وحُدد سعر برميل النفط في موازنة العراق للعام 2015 بـ56 دولارا، علما أن الحكومة كانت قد أدرجت سعر 60 دولارا في مشروع القانون الذي أُرسل الى مجلس النواب، إلا أن هذا الأخير خفض السعر نظرا لاستمرار تراجع الأسعار عالميا.
وترى مصادر نفطية أنَّ ديون العراق المستحَقة للشركات النفطية التي تطوِّر حقوله العملاقة تتزايد، في دلالة أخرى على تأثير هبوط أسعار النفط على إيرادات ثاني أكبر بلد منتِج للخام في منظمة "أوبك". وتعمل شركات نفطية غربية، من بينها "رويال داتش شل" و"إكسون موبيل"، في حقول العراق الجنوبية بموجب عقود خدمة تتضمن حاليًّا رسومًا ثابتة بالدولار على الكميات الإضافية المنتجة.
ويقول مصدرٌ في شركة نفطية كبرى لها مشاريع للتنقيب في العراق: "العراقيون لديهم مشكلة. ارتفع عدد البراميل التي عليهم تسليمها للشركات كرسوم خدمة إلى المثليْن مع هبوط أسعار النفط إلى النصف. ولذا فإنَّ العراق ببساطة لديه عددٌ أقل من البراميل لنفسه".
ونتيجة لهذا تقول المصادر إنَّ العراق لا يعطي الشركات النفطية الكميات المستحقة مقابل رسوم الخدمة، وبدلاً من ذلك يخصص في بعض الأحيان المزيد من الشحنات للشركات التي تشتري خامه نقدًا بموجب عقود محدَّدة الأجل في جداول مواعيد شهرية.
ويتناقض الموقف الحالي بشكل حاد مع الأعوام الماضية حينما كان يُنظر إلى عقود الخدمة على أنَّها مكافأة ضئيلة مقابل عمل ضخم تقوم به الشركات في العراق، لكن جاذبية تلك العقود تزايدت مع هبوط أسعار النفط.
وقال مصدرٌ في شركة تتعامل في الخام العراقي: "إنَّهم يحاولون تحقيق توازن.. في بعض الأشهر نرى كثيرًا من حائزي العقود المحدَّدة الأجل، وفي أشهر أخرى تكون الغالبية من المنتجين".
وأضاف المصدر في الشركة التي لها مشروعات تنقيب أنَّ الكميات، التي تلقتها الشركة، غطت فقط نصف مستحقاتها بالدولار بموجب عقود الخدمة، وإذا لم تتغير الأمور فربما تضطر إلى تعديل الجداول الزمنية والأهداف في برامجها للتنقيب بسبب التأخير في السداد.