"عمل وزارة وصندوق المهجرين بات يقتصر على استكمال دفع التعويضات لمستحقيها والمرتبط بتوفر الإعتمادات"
محمود: 95% من المهجرين عادوا الى الأماكن التي تهجروا منها
على الرغم من أن السنين أدت دورها الفعال في بلسمة جراح الحرب الأهلية اللبنانية، لا يزال ملف مهجري هذه الحرب غير مقفل. ولا تزال مآسيها حاضرة نتيجة عدم إغلاق الستار عليها.
يتساءل الكثيرون ما الذي يمنع إقفال هذا الملف؟ ولماذا لا تزال هناك أمور عالقة على رغم مرور 24 عاماً على تأسيس وزارة المهجرين؟
من دون شك، لم تكن المهمة التي أوكلت للوزارة عام 1992 سهلة، بل كانت شائكة جداً ومعقّدة، وشابت طريق تنفيذها صعوبات كبيرة نجحت الوزارة في تخطّيها، من خلال قرارات جريئة اتخذها الوزراء المتعاقبين على الوزارة.
أسهب مدير عام وزارة المهجرين احمد محمود في حديث مع "الصناعة والاقتصاد" في شرح عمل الوزارة وحيثيات الملف الذي يحوي الكثير من التفاصيل الدقيقة والإنسانية والتي تتطلب عناية ودراية كبيرتين لمعالجتها.
وإذ شدد محمود على أن "وزارة المهجرين والصندوق المركزي للمهجرين لم يقصّرا يوماً في أداء المهام المطلوبة منها وأبرزها تأمين عودة المهجرين الى مناطقهم وقراهم وتحصين أوضاعهم من النواحي الإجتماعية والإقتصادية"، يرفض الحديث عن إخفاقات شهدها عمل الوزارة، إذ إن "لا خبرات سابقة يتم الاستناد إليها في معالجة الملف، وبالتالي مر عمل الوزارة بمراحل عديدة واكبتها تحركات ميدانية كثيرة وتغييرات طرأت على آليات العمل للتمكن من اتمام المصالحات وتحقيق عودة المهجرين. فكل قرية وكل مصالحة لها خصوصية معينة، كان على الوزارة أخذها بالإعتبار ومجاراتها للتمكن من اتمام مهامها، حيث قامت الوزارة بإنجاز 29 مصالحة من اصل 30 في قرى شهدت أحداث دامية بين الأهالي العائدين والمقيمين والعمل جارٍ على انجاز المصالحة المتبقية في بلدة كفرسلوان".
واعتبر أن من يتعمّق في هذا الملف، يدرك مسبقاً أن الوزارة ومع إتمامها 95% من ملف المهجرين، قامت بجهود جبارة طيلة السنوات السابقة، اذ تمكّنت من تحقيق عودة عشرات الآلاف من المهجرين الى قراهم من خلال برامج وضعها واشرف على تنفيذها الوزراء المتعاقبين، وواكبت هذه العودة في عدد من القرى بمصالحات وإجراءات كثيرة استغرقت وقتاً وتطلبت مجهوداً وأموالاً".
وقال: "بطبيعة الحال، ربما يغيب عن بال البعض أننا لا نطبق قانوناً ونتمتع بسلطة ما لفرضه، إنما نحن في الوزارة نعالج ملفاً نازفاً يحمل جراحاً كثيرة للبنانيين، ويتضمن حالات إنسانية لا بد من التوقف عندها ومعالجتها، هناك تفاصيل ومسائل كثيرة عالجناها لمتضررين من الحرب ليس لهم أي ذنب إلا أنهم وجدوا في المكان والزمان الخطأ ".
أداء محترف
وإذ شدد محمود أن "الوزارة والصندوق عملا طيلة هذه السنوات ضمن الإمكانات المالية المتوفرة"، اعتبر أن "العائق الأول أمام استكمال ملف عودة المهجرين وإقفاله بالكامل يتمثل بعدم توافر الأموال اللازمة لإنجاز المتبقي منه". وفي رد على سؤال، دعا الى عدم استغلال بعض الأمور العالقة والتصويب على عمل الوزارة إذ إن "هناك أموراً كثيرة كانت لتعالج لو وجدت الأموال. كما في كثير من الأحيان لا يكون عدم المعالجة ناتجاً من خلل في عمل الوزارة، إنما قد يكون من المواطن نفسه حيث لم يكمل أوراقه في مرحلةٍ ما، أو لم يكن مستوفياً لشروط معينة".
ونوّه بأداء فريق عمل الوزارة في ملف حرب تموز، حيث أنجزت الملف في وقت قياسي وميزانية أقل من تلك الموضوعة له، وبالتجهيزات اللوجستية الموجودة لديها. واعتبر أن "هذه التجربة تؤكد أن وزارة المهجرين والصندوق المركزي للمهجرين قادران على القيام بمهامها ويملكان كادراً بشرياً على مستوى عال من المهنية ويتميّز بأداء محترف".
إقفال الملف
وفي رد على سؤال حول المدة التي يستلزمها إقفال ما تبقى من ملف المهجرين، قال محمود: "إقفال ملف المهجرين يعتمد على سياسة الحكومة وخياراتها، ويمكن أن يتم الإعلان عن التوقف عن الدفع، كما يمكن أن تؤمن المبالغ المالية المطلوبة لمعالجته، وننتهي في أقرب وقت ممكن. اليوم، كما نقول إننا نعمل ضمن الإمكانيات المالية المتوفرة وإنهاء الملف وإقفاله بالكامل يتعلق بتوافر هذه الأموال". وأضاف: "لا يظنن البعض أننا نمارس نوعاً من المماطلة في عملنا بغية عدم إقفال الملف خشية من إقفال الوزارة. نحن نتمنى اليوم قبل الغد إقفال ملف المهجرين لعل اللبنانيين ينسون آلام الحرب وجراحها".
وشدد على أن "الوزارة لا توفّر أي جهد إلا وتبذله لإقفال هذا الملف، وتحاول بشتى الوسائل إزالة العراقيل التي تمنع أي معالجة". وأشار الى أنه "في هذا الإطار، وبعد أن اصطدمت الوزارة بواقع أن ما يعطيه القانون الذي يحكم المصالحات ويحدد التعويضات للمهجّر (30 مليون ليرة مع فرعين) لا يتناسب مع كلفة الإعمار حالياً، توجّهنا إلى توقيع بروتوكول تعاون مع جمعية المصارف لمنح المهجّر قرضاً بفائدة منخفضة جداً لمدة 25 عاماً كحد أقصى. الا انه وبعد التواصل مع عدد من المهجرين، تبين لنا أن عدداً كبيراً منهم قد لا يكون قادراً على الاستفادة من هذا القرض لارتباطه مع المصارف بقروض أخرى".
لا محاصصات
وإذ نفى محمود أي وجود لمحاصصة في دفع التعويضات، قال: "نحن لا ننكر أن هناك اتصالات تردنا، فليس خافياً على أحد أننا لا نعيش في دولة مثالية، ولكن الوزارة والصندوق عملا على مدى سنوات وفقاً لخطة معينة. نعم، كانت هناك بعض الحالات الإنسانية التي توقفنا عندها، لكن طبعاً لا يمكن القول إن المحاصصة سيطرت على دفع التعويضات".
وتطرّق الى نسب عودة المهجرين الى قراهم، وما يتم تداوله من بعض الجهات عن تدني هذه النسب. وأكدّ أن "عودة المهجرين الى قراهم وبلداتهم ترتبط بعوامل كثيرة لا تمت الى وزارة المهجّرين بصلة. ففي الدرجة الأولى، المهجرون أسسوا حياتهم واندمجوا في مجتمعات خارج بلداتهم خاصة وان اولادهم ولدوا خارج قراهم، وقد لا يكونون يتمتعون بالجهوزية المطلوبة لإعادة بناء حياة جديدة في مكان آخر". وشدد على أن "عودة المهجرين الى القرى تحكمها عدة أمور تعود الى سياسات حكومية من إنماء متوزان، وتأمين فرص عمل، والحد من النزوح من الأرياف". وأكد أن "إعمار الوحدات السكنية والمعالم الدينية وحده لا يكفي، وبالتالي إن تدني نسب العودة أمر لا تتحمّل وزارة المهجرين مسؤوليته، ويجب ألا يكون مقياساً لنجاح عملها بأي شكل من الأشكال. لذلك يجب الفصل بين انجاز الاعمال المطلوبة من الوزارة والصندوق وبين عدد المقيمين في البلدة، لأن النزوح من القرى الى المدن يشمل المقيمين والعائدين على السواء".
وأشار الى أن وزارة المهجرين تعمل حالياً بشكل أساسي على ملف مصالحة بريح وتستكمل بشكل يومي متابعة الملفات المتبقية على صعيد الإخلاءات وتسليم الحقوق إلى أصحابها الشرعيين والترميم والإعمار في مختلف مناطق العودة والمتضررة.