روسيا – آسيان نحو شراكة استراتيجية متبادلة المنفعة
موسكو.. الاتجاه شرقاً لدعم الشراكة المتبادلة
هي ليست سياسة "النحت في الصخر أم الغَرْفُ من بحر" تلك التي تتبعها موسكو في بناء علاقاتها مع الدول، بل "لعبة" المصالح القائمة على المنافع المتبادلة بين الدول كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال حفل استقبال أقامه على شرف قادة دول آسيان.
إحتضن منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود في أيار، قمة بين روسيا ورابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان"، بحث خلالها القادة آفاق توسيع التعاون في المجالات السياسية والإقتصادية. وصادف عقد القمة، الاحتفاء بالذكرى العشرين لشراكة آسيان- روسيا، تحت شعار "روسيا - آسيان نحو شراكة استراتيجية متبادلة المنفعة"{.
منذ العام 1990 فتحت موسكو آفاق التعاون مع دول آسيان، ونجحت منذ العام 1996 في تنظيم هذه العلاقات بشكل أكثر تطوراً عبر حوار الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين. وتعد هذه القمة هي الثالثة خلال 20 عاماً من الشراكة والحوار، والأولى في روسيا، وسبق أن عُقدت في كوالالمبور عام 2005، ثم في هانوي عاصمة فيتنام عام 2010.
القمة بحثت مواضيع استراتيجية مهمة أخرى، كتوطيد الشراكة لمنظمة آسيان مع الاتحاد الإقتصادي الأوراسي (روسيا، كازاخستان، طاجيكستان، قيرغيزستان، بيلاروس)، ومنظمة شانغهاي للتعاون، إضافة إلى تسخير إمكانيات مبادرة الصين "الحزام الإقتصادي لطريق الحرير".
منافع إقتصادية متبادلة
ومنذ عام 1990 بدأت روسيا بفتح آفاق التعاون مع دول "آسيان" ، ونجحت منذ عام 1996 في تنظيم هذه العلاقات بشكل أكثر تطورا وتنسيقا، عبر حوار الشراكة الاستراتيجية بين روسيا ودول "آسيان"، وذلك من خلال مشاركة موسكو في قمم المنظمة الإقليمية.
وتمثل قمة روسيا – آسيان، والتي جاءت متزامنة مع الذكرى السنوية العشرين لشراكة موسكو مع الرابطة، اختباراً لمدى قدرة موسكو في "الاستدارة نحو الشرق"، وسعيها إلى مد نفوذها الإقليمي بعد تنامي التوتر مع الغرب نتيجة الأزمة الأوكرانية.
وترغب روسيا في تحقيق منافع إقتصادية من تطوير التعاون مع دول آسيان، التي تمثل قاطرة الإقتصاد العالمي في السنوات العشر المقبلة، خاصةً من خلال مبيعات السلاح والطاقة، بما في ذلك محطات الطاقة النووية.
كما تريد موسكو جذب دول آسيان للتعاون الإقتصادي معها من أجل مواجهة المبادرات التجارية التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة، مثل اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ. وفي هذا الصدد، تبدو دول آسيان العشرة فرصة إقتصادية هائلة تسعى روسيا إلى اقتناصها، فعدد سكانها يتجاوز الـ 600 مليون نسمة، ومن المتوقع أن تصبح الرابطة رابع أكبر اقتصاد في العالم في عام 2050. كما نمت معدلات التجارة بين روسيا ودول آسيان بوتيرة عالية في العقد الأخير، على الرغم من ضآلة الرقم الإجمالي. إذ ارتفع حجم التبادل التجاري خمسة أضعاف بين عامي 2005 و2014، ومع ذلك بلغ حجم التجارة الروسية مع دول جنوب شرق آسيا 13.7 مليار دولار فقط في عام 2015.
إعلان سوتشي
وأسفرت قمة سوتشي، التي انعقدت تحت شعار "روسيا – آسيان نحو شراكة استراتيجية متبادلة المنفعة"، عن توقيع "إعلان سوتشي" الذي تم فيه تأكيد المهمة المشتركة وهي نقل الشراكة بين روسيا وآسيان إلى مستوى استراتيجي جديد".
كما تم التوقيع على "خطة عمل شاملة" لتعزيز التعاون بين موسكو وآسيان في السنوات الخمس المقبلة (2016 -2020). وكشفت القمة عن موافقة موسكو على زيادة صادرات السلاح لدول آسيان، وكذلك عزم الجانبين على تبادل المعلومات لمكافحة الإرهاب.
واقترحت موسكو التوصل إلى اتفاقية للتجارة الحرة بين رابطة آسيان والاتحاد الإقتصادي الأوراسي، الذي تقوده روسيا. وطالب "إعلان سوتشي" أيضاً بالتوصل السريع إلى وضع "مدونة السلوك" لحل النزاعات الإقليمية بين الصين وبعض أعضاء الرابطة في بحر الصين الجنوبي، مؤكداً ضرورة إجراء محادثات بشأن قضايا الأمن القومي في المنطقة خلال مؤتمرات قمة شرق آسيا، التي تضم روسيا والولايات المتحدة والصين.
وأعدت موسكو خريطة طريق تضمنت 57 مشروعاً تهدف إلى تشكيل تحالفات تكنولوجية وابتكارية حديثة مع دول آسيان، وقد شدّد الرئيس بوتين على دعمه لإنشاء السكك الحديدية الحديثة في دول آسيان والشبكات الحديثة للملاحة الفضائية المعتمدة على نظام "جلوناس" الروسي العالمي للملاحة الفضائية.
ودعا بوتين أيضاً شركات آسيان للمشاركة في برامج تنمية المناطق الروسية في الشرق الأقصى، خاصةً في ما يتعلق بتحديث شبكة السكك الحديدية العابرة لسيبيريا وتطوير الطريق البحرية الشمالية التي من الممكن أن تكون أقصر الممرات التجارية التي تربط شرق آسيا وأوروبا.
قطاع الطاقة النووية
ويعد الوجود الإقتصادي الروسي في دول آسيان واضحاً بشدة في قطاعات النفط والغاز والطاقة النووية والتكنولوجيا العسكرية، حيث تشتري سنغافورة وماليزيا النفط والغاز الروسي، وتشارك موسكو إندونيسيا في عدد من مشاريع الطاقة، منها بناء منشآت نووية عائمة. وتعد فيتنام الشريك الرئيسي لروسيا في مجالَي النفط والغاز، وقطاع الطاقة النووية. وفي هذا السياق، تستعد روسيا حالياً لتنفيذ مشروع ضخم لبناء محطة "نين ثوان -1" للطاقة النووية في جنوب فيتنام. كما يوجد عدد من المشروعات الأخرى لبناء محطات طاقة نووية روسية في ميانمار وتايلاند، وفي هذا الصدد أكد بوتين أنه "منذ البداية تم بناء تعاوننا على مبادئ المنفعة المتبادلة والاحترام، ويجمع بيننا النهج المشترك لحل العديد من المشاكل. إنه الاجتماع الأول بهذا الشكل الذي يجري في روسيا، ونحن نرى في ذلك تأكيدا للاهتمام المتزايد من جانب دول الرابطة". ورأى في حفل استقبال أقامه على شرف قادة دول آسيان، "أن التعاون بين روسيا ورابطة آسيان، سيسمح باستخدام الإمكانيات الحالية بشكل أفضل لتوسيعه التعاون في المجالات الإقتصادية والثقافية والإنسانية".
قاطرة الإقتصاد العالمي
لقد أشارت نتائج قمة "روسيا – آسيان" الأخيرة إلى أن الجهود الروسية الرامية إلى التقارب مع الرابطة من المرجح أن تؤتي ثمارها قريباً، خاصةً في المجال الإقتصادي. ولكن علينا الانتظار للتعرف إلى مدى نجاح هذه القمة في تعزيز العلاقات السياسية والعسكرية والأمنية بين الجانبين. فالمرتكزات الأساسية لتعزيز العلاقات الروسية بدول آسيان لا تزال ضعيفة، ومعرفة النخب السياسية ببعضها البعض ما تزال غير قوية لأسباب متعددة، منها البعد الجغرافي وغياب الخلفية التاريخية والثقافية المشتركة.
كما أن النزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي بين الصين، حليف روسيا الاستراتيجي، وعدد من دول آسيان، خاصةً فيتنام، سوف تمثل اختباراً جدياً لتطوير العلاقات بين موسكو والرابطة الآسيوية في المستقبل.
والدور الروسي من شأنه، حسب صانعي القرار في معظم دول آسيان، أن يخفف من شعور الصين بأنها "قلعة محاصرة"، وبالتالي سوف تتزايد إمكانية تحقيق الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، التي تعد وبحق قاطرة الإقتصاد العالمي في العقدين المقبلين.
كادر
"رابطة دول جنوب شرق آسيا، المعروفة اختصارا باسم "آسيان" هي منظمة سياسية إقتصادية تضم 10 دول واقعة في جنوب شرق قارة آسيا وهي إندونيسيا، وماليزيا، والفلبين، وسنغافورة، وتايلاند، وبروناي، وفيتنام، ولاوس، وبورما، وكمبوديا. وأسست الرابطة في تايلاند في 8 آب من عام 1967".
وتتمتع رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" بإمكانات هائلة، إذ يبلغ عدد سكان الدول الأعضاء فيها 630 مليون شخص، كما أن الناتج المحلي الإجمالي لأعضائها بلغ في عام 2014 نحو 2.57 تريليون دولار، ما يدل على إمكانات الرابطة الكبيرة.