قدمت مشروع ربط شمال أوروبا بالهند والخليج العربي
هل تنجح قمة "باكو" في إنعاش أوراسيا؟
لأول مرة ألتقى الرؤساء الثلاثة.. الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني والأذربيجاني إلهام علييف، في قمة احتضنتها العاصمة الأذربيجانية "باكو". فبين هذه الدول الثلاث الكثير من المتشابهات، وكل بلد من البلدان - أذربيجان وإيران وروسيا - لديه مصالحه الجيوسياسية والإقتصادية الخاصة به.
تبحث هذه القراءة العلاقة بين إيران وروسيا وأذربيجان، وتناقش مقومات وأسس بنائها لدى الأطراف الثلاثة، وتركِّز على نقاط الضعف الرئيسة، وتستشرف مستقبلها، استنادًا إلى عدد من الدراسات والأبحاث.
أهداف روسيا
روسيا، تحاول تعزيز مكانتها في عدة اتجاهات. أولا، هي تريد تعزيز الاتحاد الإقتصادي الأوراسي، إما عن طريق توسيع الأعضاء أو عن طريق إقامة تعاون أعمق مع إيران وتركيا وأذربيجان. في تشرين الأول 2011، قدم بوتين مشروعا للتكامل الأوراسي الجديد كإحدى الأولويات الرئيسة له.
كانت فكرة إنشاء منظمة فوق وطنية قوية، من الأفكار المهمة التي يمكن أن تكون أحد أعمدة النظام العالمي الجديد الناشئ وأيضا أن تكون جسرا بين أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ. إنشاء هذا الاتحاد، تحت القيادة الروسية، من شأنه أيضا أن يعزز دور روسيا كلاعب عالمي.
أهداف إيران
أدى الرفع الجزئي للعقوبات الدولية ضد إيران إلى زيادة كبيرة في مشاركة إيران في الشؤون الإقليمية والعالمية. من خلال المشاركة في الاجتماع الثلاثي في باكو، أشارت طهران إلى أنها ترغب في متابعة توثيق العلاقات مع جيرانها في الشمال.
أولا وقبل كل شيء، هناك فوائد إقتصادية واضحة في ذلك. ثانيا، سوف يؤدي تطوير العلاقات مع أذربيجان لتوقف باكو عن متابعة المطالب الإقليمية في الجزء الشمالي من إيران، ويمكن أن يؤثر على دعمها لـ "إسرائيل". ومن الواضح أن المشاركة في عمليات التكامل الأوراسي هو أحد الاتجاهات في السياسة الخارجية المتنوعة لطهران.
أهداف أذربيجان
أما بالنسبة إلى أذربيجان، فالمكاسب الإقتصادية عديدة، ويقول علييف: "ستحصل أذربيجان على منافع إقتصادية كبيرة من هذا التعاون كبلد للترانزيت يملك كل بنى تحتية لازمة لها..
ولكن على علييف حل مشكلة مهمة في السياسة الخارجية: الوضع المتنازع عليه في بحر قزوين. فمنذ تفكك الاتحاد السوفياتي، تسعى أذربيجان كي تقرر فيما إذا كان قزوين هو بحر أم بحيرة. إذا أعلن أنه بحر، فيمكن للدول المتشاطئة بناء خطوط أنابيب الغاز والنفط تحت مياهه. إعلان أن قزوين بحر يمكن أن يعطي الحياة لمشروع نابوكو.
بفضل الموقع الجغرافي، تشكِّل أذربيجان أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لكل من روسيا وإيران، فهي طريق اتصالهما ببعض شمالاً.
مسائل عالقة
في كلمته التي ألقاها في القمة قال الرئيس الإيراني محمد روحاني، إن المساحات المشتركة والعلاقات التاريخية التي تجتمع عليه الدول الثلاث، وإلى جانبها الأرضيات والظروف المتوفرة، يجب اكتشافها، مؤكداً أهمية الطاقات الإقتصادية الكامنة والفعلية بالإضافة إلى الثروات الطبيعية ومصادر الطاقة الكبيرة وأيضاً الموقع الاستراتيجي الذي تحظى به الدول الثلاث؛ ومبيناً أن المجالات المذكورة تعدّ قسماً آخر من فرص التعاون وتعزيز العلاقات بين هذه الدول.
من جانبه قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: نحن نفتح صفحة جديدة ونحتاج إلى هذا النوع من التعاون. وبحسب الأكاديمي والباحث في الشأن الإيراني د. عبدالعزيز شاكر، فإن نتائج قمة باكو، ستكون مؤثرة بقوة في العلاقات بين الدول الثلاث، ومن الممكن أن تعم بـ"الخير" على الدول المجاورة، وتؤدي إلى تحقيق أكبر قدر من الأمن في المنطقة، وهو أمر مطلوب بشدة الآن.
ورغم العقبات التي تواجه الدول الثلاث إلا أن الأمن المشترك، والتعاون الإقتصادي خاصة في مجال الطاقة يقدِّمان فرصًا كبيرة لتقوية العلاقات. ويعزِّز من التفاؤل على هذا الصعيد، إنجاز الإتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1، وهو ما مهِّد لإزالة العقوبات المفروضة على إيران والتي كانت عائقًا أمام مشاركتها في مشاريع نقل الطاقة، وحرمتها من مزايا إقتصادية كبيرة.
ولا بد للفائدة هنا من إلقاء الضوء على المسائل العالقة محل خلاف بين الدول الثلاث، أولاها قضية القضايا، "قره باخ الجبلية". وثاني هذه القضايا، هي مشكلة "ممر الشمال والجنوب"، الذي سينقل البضائع من الهند ليمر بإيران وأذربيجان وروسيا إلى أوروبا.
أما ثالث مسألة، فهي إقرار الوضع القانوني لبحر قزوين، ورغبة إيران في زيادة حصتها من جرف البحر والتي تبلغ 13%.
لكن الدول الثلاث لن تختلف بحسب المؤرخ والمحلل السياسي ودكتور الفلسفة في التاريخ أوليغ كوزينتسوف على مسألة حجم إنتاج النفط والغاز، خاصة وأنها جميعا متفقة مع قرار "أوبك" بضرورة خفض إنتاج النفط حتى يستعيد السعر المناسب له.
ويظل السؤال، هو مدى قدرة هذا التحالف الجديد على البقاء قويا في وجه تكتلات كبرى في العالم، ومدى تأثيره، وهل ستنضم تركيا إلى هذا التحالف؟
الممر المائي الدولي
وما يؤكد أن الدول الثلاث التي اجتمعت عازمة على تعزيز العلاقات في ما بينها لتتخذ شكلاً جديداً غير معهود، هو مجال الربط السككي بين إيران وجمهورية آذربيجان وروسيا، والذي سيؤدي إلى الربط بين دول أوروبا الشرقية والشمالية، وبين الخليج والمحيط الهندي ودول الجنوب. وقد أعتبر روحاني هذا الربط "نعمة عظیمة للبلاد".
فقد ناقش القادة الثلاثة في القمة الثلاثية قضية الممر المائي الدولي موضحين أن الهدف الرئيس للقمة، هو دراسة المشروع.
ويتوقع أن يصل طول الممر إلى 7200 كيلومتر، ليربط شمال أوروبا بالهند، والخليج العربي عبر إيران، وروسيا وأذربيجان، ويكون منافسا لقناة السويس المصرية، وبحسب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، فإن هذا المشروع سيخدم مصالح شعوب إيران وأذربيجان وروسيا، ومصالح المنطقة بأسرها.
يشار إلى أن خارطة هذا الممر كانت قد وضعت عام 2000 من قبل إيران والهند وروسيا، إلا أن الحظر المفروض على كل من طهران وموسكو حال دون إتمام بناء الممر.
تدشين هذا الممر الملاحي الجديد، سيقصّر المسافة لتوصيل البضائع بين الهند وأوربا، حيث إن عملية النقل تستغرق حاليًا 45-60 يوما ويتم نقل البضائع انطلاقا من الهند عبر قناة السويس إلى بلدان أوربا. لكن المسافة ستقتصر بعد تشغيل الممر 2-3 مرات لتكون 14-20 يوما.