مشروع غاز جنوب العراق العملاق: استثمارات صعبة.. واستراتيجيات معّطلة
في العام 1973 قررت الحكومة العراقية ، في العام 1973 ، ألا يتم إنشاء أية محطة لتوليد الكهرباء إلا بعد ضمان تشغيلها بالغاز الطبيعي الذي من ضمن ثلاثة أنواع وقود محلية، على الأثر قام المشروع الأكبر على الصعيد الإقليمي «مشروع غاز جنوب العراق» الذي رُسم مقدماً ونُفذ بايادي عراقية؛ المشروع العملاق جاء لربط حقول إنتاج الغاز الطبيعي في العراق بمحطات توليد الكهرباء والمعامل الضخمة، ويشهد أن نفذته شركة المشاريع النفطية «SCOP» بأسلوب تجزئة المقاولات التي بلغت أكثر من عشرين مقاولة وتولت تنفيذ أجزاء منه بطريقة التنفيذ المباشر.
بوشر بتنفيذ المشروع في العام 1979 على وفق قانون خاص لتنفيذ المشاريع الكبرى الثلاثة وهي مصفاة الشمال، غاز الشمال وغاز الجنوب، وبعد نجاح تجربة تنفيذ الخط الاستراتيجي الأول (تنفيذ شركة المشاريع النفطية التابعة لوزارة النفط) والميناء العميق، تعرقل التنفيذ لوقوع الحرب العراقية الإيرانية.
وبالرغم من تلك الظروف، أنجز المشروع بالكامل في أواخر الثمانينات من القرن الماضي وتضمن جمع الغازات كافة ومن المراحل الأربع (المصاحبة: لإنتاج أكثر من ثلاثة ملايين برميل يومياً من النفط في الحقول الجنوبية)، محطات تسييل الغاز والإنتاج (من خلال مصنعين ضخمين في الزبير وشمال الرميلة) لتصنيع نحو 4.4 ملايين طن سنوياً من البروبان البيوتان والغاز الطبيعي ونقلها وتجميعها في خزانات عملاقة في خور الزبير مع ميناء خاص للتصدير يقع على خور الزبير أيضاً. بلغت الكلفة الإجمالية للمشروع نحو 2 ملياري دولار في حينها تحملها وسددها العراق بالكامل، وتضمن، علاوة على ذلك، تجهيز مصانع البتروكيمياويات والحديد والأسمدة والألمنيوم والأسمنت وغيرها، علاوة على محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز في مناطق العراق الصناعية الرئيسة.
وتم تشغيل المشروع على مراحل وبالكامل وصولاً إلى تموز/ يوليو 1990 عندما بوشر بتحميل أول ناقلة أجنبية للتصدير؛ هذه الشحنة لم تفلح في الحطوط حيث أريد لها إذ حلت الحرب.. حرب الخليج الأولى آب/ أغسطس 1990.
شهر الجولات
في كانون أول/ ديسمبر من العام 2009 دخل العراق مضمار جولات التراخيص التي أعلن عنها عام 2008، وبُذل الجهد الكبير في «ايصال الرأس بالرأس».. حيث تنافست كبريات الشركات العالمية: «شل الهولندية البريطانية، بي بي البريطانية، بتروناس الماليزية، بتروتشاينا الصينية، توتال الفرنسية، غازبروم ولوك أويل الروسيتان، جابكس اليابانية، كوجاز الكزرية الجنوبية، سنانجول الأنغولية وغيرها»، تنافست على الاستحواذ على عقود ما أطلق عليها «عقود الخدمة» في الحقول النفطية والغازية العراقية؛ راهنا على انسحاب كوغاز الكورية الجنوبية التي صار عقدها استثمار حقول عكاس في محافظة الانبار لرؤية سياسية مسبقة، وفعلاً كوغاز اليوم تدرس مع الجانب العراقي «توزيع عقدها» على حقول الجنوب الأكثر ملائمة للاستثمار من الناحية الأمنية، فضلاً عن انسحاب سنانجول الأنغولية من حقول الموصل (2014) للسبب ذاته.
في كانون الأول 2013 بلغت صادرات العراق النفطية مستوى قياسياً (2.341) مليون برميل يومياً، هذا، عملياً، يؤشر إلى أن سنوات جولات التنافس الثلاث قد أثمرت معدلات انتاج مستهدفة، والأمر يجانب الأرض الصالحة للاستثمارات النفطية التي درستها الشركات الغائلة في فهم ما خطوتها التالية: آبار قديمة ومنها «بدائية» ومسارات خطوط أنابيب تحتاج الى تأهيل وتطوير وتوسيع.
نهوض متأخر
ما تنجزه الشركات الأجنبية في الحقول النفطية التي يصاحب الإنتاج فيها مقداراً هائلاً من الغاز، ما هو إلاّ نقطة انطلاق نحو استغلال هذه المادة التي تحرق منها ملايين المكعبات القياسية في الجو ما سبب ويسبب تلوثاً ملحوظاً في البيئة العراقية ولا سيما في مناطق جنوب البلاد. تعمل كبريات الشركات مثل شركة شل الشريك لمتسوبيشي وغاز الجنوب تحت ائتلاف «شركة غاز البصرة» على استثمار الغاز المصاحب في تلك الحقول، في توطين لبند من عقد الترخيص في محل استثمار الغاز المصاحب.
تتحمل الشركات النفطية المشغلة لحقول النفط العملاقة في الجنوب (الرميلة، الزبير وغرب القرنة 1)، نقلاً عن موقع شركة غاز البصرة الإلكتروني، تتحمل المسؤولية عن فصل الغاز المصاحب للنفط وذلك من خلال تشييد وتشغيل المعدات اللازمة لحبس واستحصال ذلك الغاز ثم توريده إلى شركة غاز البصرة التي تمتد منشآتها على مساحة تزيد عن 3.500 كيلومتر مربع، وتتحمل المسؤولية عن نقل الغاز الطبيعي ومعالجته ومن ثم إرساله إلى محطات توليد الطاقة الكهربائية التابعة لوزارة الكهرباء من أجل توفير الطاقة اللازمة لتلبية الاحتياجات الصناعية، وتسويق المسال منه للسوق المحلية.
شركة غاز البصرة تعمل على تشغيل تسع محطات لعزل وكبس وضخ الغاز، أغلبها من تنفيذ شركة المشاريع النفطية (SCOP)، هذه المحطات تقع على نقاط رئيسية من شبكة خطوط أنابيب الغاز الطبيعي.
احتياطيات الغاز العراقي
في وقت ذكرت فيه نشرة لـ «US Energy information (EIA)» أن احتياطيات الغاز العراقي تبلغ نحو 112 تريليون قدم مكعب، فإن المحروق منه والمهدور يقدر بنحو 12 مليار قدم مكعب سنوياً.
النشرة بينت أن احتياطيات الكويت الغازية تبلغ 63 تريليون قدم مكعب، في حين أن نسبة إيرادات الكويت الحكومية من القطاع الهيدروكاربوني تبلغ 50 بالمائة، وتبلغ احتياطيات سلطنة عمان 30 تريليون قدم مكعب ونسبة إيراداتها من القطاع ذاته 86 بالمائة.
الناس الذين يعتمدون على النفط والغاز، هناك، استعانوا بتجارب لخلق استراتيجيات تقصّر عليهم الوقت والجهد.
مسؤولون في وزارة النفط عزوا أسباب هدر كميات الغاز العراقي الكبيرة الى «الظروف الصعبة التي عاشها العراق طيلة السنوات الماضية، والتي اسمهت بشكل كبير في تدمير بنيته التحيتة بالكامل، كما أن استثمار الغاز يحتاج الى تكنولوجيا حديثة وأموال كبيرة (…) علاوة على التحديات الأمنية التي حالت دون وصول الشركات الاستثمارية للعراق".
لكن خبراء عللوا تبدد هذه الثروة الى غياب منظومة استراتيجية متكاملة لاستثمار الغاز، بالرغم من أن العراق، في العام 2013، كان قد أطلق ما سميت بـ «الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للطاقة» التي خُطط لها أن تمتد الى 2030، إذ كان من المؤمل، من خلال الخطة، توفير نحو 6 ترليونات دولار وعشرة ملايين فرصة عمل في البلاد، واستثمار 620 مليار دولار في قطاع النفط والغاز والصناعات ذات العلاقة حتى نهاية عام 2030.
العمل على انفراد
على أية حال، فان وزارة النفط تعمل، ضمن المتاح، على رفع إنتاج الغاز من جنوب البلاد بالرغم من اصطدامها بـ «ضوابط وزارة المالية المميتة» على مستوى توفير الأموال اللازمة لتنفيذ الخطط والبرامج المركزية.. ولا سيما في ما يتعلق بتخصيصات الموازنة الاتحادية. وبالرغم من ذلك فإن وزارة النفط سجلت رقماً مهماً في ايصال إنتاجها من الغاز الجاف الى 1100 مليون قدم مكعب وقياسياً يوميا وإلى 5 آلاف طن يوميا من الغاز المسال، علاوة على أنها تمكنت من تصدير شحنات من مكثفات الغاز (C5) يتجاوز إجمالي المصدر 60.5 ألف قدم مكعب.
لكن المضي قدما بهذا الخصوص، يصطدم بمعوقات حقيقية تقف حائلاً دون تنفيذ مشاريع الغاز التي تعتمد قيام منشآت في مناطق تستوطنها العشائر، فهذه، نسبياً، تعد العائق الأكبر «المسكوت عنه» مركزياً ومحلياً أمام قيام منشآت الغاز على النحو المخطط له.