الإنتشار المصرفي اللبناني في الخارج:
18 مصرفاً في 32 بلداً في العالم
سعت المصارف اللبنانية على مر السنين الى التوسّع خارج الحدود بتشجيع من السلطات النقدية وضمن معايير وقوانين ترعى انتشارها الخارجي مع انتهاج المزيد من التحفّظ ولا سيما في ظل تزايد متطلبات الإمتثال والحوكمة.
وتتنوّع أشكال هذا الانفتاح من إعطاء تراخيص لإنشاء مصارف أجنبية أو فتح فروع أو مكاتب تمثيل لبعض الجهات المالية، وبات القطاع المصرفي اللبناني يتعامل مع أكثر من 190 مصرفاً مراسلاً في 64 بلداً. ويتواجد حالياً 18 مصرفاً لبنانياً في 32 بلداً في مختلف انحاء العالم. ويتخذ هذا التواجد أشكالاً قانونيّة عدّة موزّعة كالآتي: 19 مكتب تمثيل، 64 فرعاً مباشراً، 40 مصرفاً تابعاً لها ما يزيد عن 310 فروع في بلدان تمركزها.
الحاجة إلى التوسّع
وفقاً لتقرير جمعية المصارف تطوّر مفهوم التوسّع الجغرافي المصرفي اللبناني عبر السنوات واختلفت مراحله وأهدافه الرئيسية. ففي البداية، كان التوسّع الخارجي يهدف إلى تسهيل عمليات المصارف مع الخارج، بحيث كانت المصارف اللبنانية تؤدي دور المصارف المراسلة قبل التمركز المباشر. وفي فترة ما بين الحرب اللبنانية ومطلع الألفية الثانية، اضطرّت المصارف إلى البحث عن أقرب نقطة جغرافية تتيح لها إنجاز عملياتها المصرفية لمصلحة الزبائن بين لبنان والخارج. ومن ثمّ كانت المصارف تواكب العملاء الذين ينقلون أعمالهم إلى خارج البلاد، وينطبق ذلك على انتشارها في أوروبا أصلاً.
وفي ظلّ وصول الأسواق المحلية إلى النضج والإشباع في المجال المصرفي، مع بروز قدرتها التنافسية في نشاط معيّن، سعت المصارف اللبنانية إلى استقطاب عملاء جدد وتوزيع المخاطر السيادية وتوجّهت إلى الأسواق المجاورة وأسواق الخليج وبعض أسواق أفريقيا، جرّاء إمكانية تنامي فرص الأعمال والاستثمارات الواعدة في أسواق هذه الدول والنمو السريع للتجارة البينية في المنطقة، خصوصاً أن الظروف كانت مناسبة لناحية الانفتاح الاقتصادي والمالي ووجود فرص غير مستغلّة في هذه البلدان.
واكتسب مع الوقت، التوسّع المصرفي بُعداً استراتيجيّاً، إذ عملت المصارف اللبنانية على الامتداد إلى بلدان إمّا تشهد نمواً اقتصادياً أو تنطوي على نموّ واعد، كاختراق المصارف اللبنانية السوق التركية، إذ تُعتبر تركيا مركزاً حيوياً ومهمّاً نظراً إلى مقوّماتها الاقتصادية.
كذلك سعت المصارف اللبنانية لتعزيز انتشارها في أسواق الدول المضيفة للجاليات اللبنانية العاملة أو المغتربة لمواكبة هذه الجاليات وتزويدها بأحدث الخدمات المالية، حتى أنه بات لأحد المصارف اللبنانية مصرف تابع في أستراليا.
ووفقاً للتقرير، لا يزال ممكناً للمصارف اللبنانية أن "تغزو أسواقاً جديدة أخرى كالصين مثلاً، لما لهذا البلد من مكانة نظراً إلى دوره المهمّ في المنطقة العربية وأن تدخل السوق المصرفية في إيران متى رُفعت عن هذه الجمهورية العقوبات نهائياً".
تجاوز الأزمات
وبحسب التقرير، استطاعت المصارف اللبنانية تجاوز أزمات متتالية في دول الانتشار من خلال رسم استراتيجية لأسواق تواجدها التي عانت من أوضاع سيئة. علماً بأن انخفاض أسعار النفط، بالترافق مع بعض الإصلاحات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ساعد في التخفيف من وطأة المناخ الاقتصادي الضاغط الذي تعيشه البلدان المستوردة للنفط وما نجم عن ذلك من تداعيات مستمرّة على أسعار صرف عملاتها المحلية، والتي أدّى تدهورها إلى تراجع النشاط الخارجي للمصارف اللبنانية كما هي الحال في تركيا.
انخفاض الموجودات في سورية
في سورية، انخفضت موجودات المصارف اللبنانية من 5,4 مليارات دولار قبل اندلاع الأحداث في عام 2011 إلى 2,7 مليارين في نهاية عام 2015 ثم إلى ما دون 1,5 مليار دولار في نهاية أيلول 2016، إلّا أن المصارف كوّنت الاحتياطات الضرورية والمؤونات المطلوبة لتخفيف مخاطر إقراض العملاء، وحافظت على مستوى مرتفع من السيولة، كما تشدّدت لناحية مصاريفها التشغيلية. وحقّقت أرباحاً بما يقارب 172 مليون دولار في عام 2015. والثابت المشترك بين المصارف اللبنانية المتواجدة في سورية هو عدم الخروج من هذه السوق مع تقليص أعمالها فيها إلى الحدّ الأدنى الذي يتيح لها الاستمرار بهدف تقليل التعرّض للمخاطر والخسائر. ويهمّ المصارف التمركز في سورية للمشاركة في عملية إعادة إعمارها بعد توقّف الحرب، والتي تُقدّر تكاليفها بأكثر من 100 مليار دولار.
نمو سليم في مصر
في مصر، استمرّت المصارف اللبنانية في تسجيل نموّ سليم وتحقيق الأرباح مع ارتسام ملامح المناعة في الاقتصاد المصري، مدعومة من تحسّن البيئة الاقتصادية المحيطة، رغم تدهور سعر العملة المحلية إزاء الدولار الأميركي والأوضاع الصعبة في البلدان المجاورة. وترى المصارف اللبنانية في استمرار تواجدها في هذا البلد ضرورة نظراً إلى موقعه الاستراتيجي فضلاً عن الاتفاقات المعقودة بين مصر والتكتّلات الإقليمية الأخرى في أفريقيا وأميركا اللاتينية واتفاقات التجارة الحرّة. والمصرفان اللبنانيّان اللذان لديهما مصرف تابع في مصر معنيّان مباشرةً بالقوانين التي يُصدرها المصرف المركزي المصري أو التعديلات التي يجريها لتنظيم القطاع المصرفي، الأمر الذي يتطلّب منهما تحليل تأثيراتها عليهما. ومن الأمور المستحدثة التي اتّخذها المصرف المركزي المصري السماح بفتح فروع صغيرة (mini branch) لتقديم خدمات للأفراد والعائلات والمؤسّسات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
خسائر في تركيا
في تركيا، حقّقت المصارف اللبنانية في 2015 نتائج جيّدة عند تقويمها بالليرة التركية. إلا أنها تصبح مختلفة عند تقويمها بالدولار بسبب تدهور سعر صرف الليرة التركية إزاء الدولار الأميركي. ما يعني أن المصارف عانت من خسارة ناجمة عن أسعار القطع الأجنبي، ومن شأن ذلك أن يضغط على محفظة التسليف لديها.
عقبة مهمة في العراق
في العراق (10 مصارف متواجدة من خلال 21 فرعاً)، تواجه هذه المصارف مشاكل عدّة مع السلطات النقدية العراقية، وتتمثّل بإنفصال البنك المركزي العراقي عن فرعَيْه في أربيل والسليمانية مالياً وإدارياً وتنظيمياً، ما يطرح مشكلة حول الاعتراف بالمبالغ المودعة من قِبَل المصارف اللبنانية في هذَيْن الفرعَيْن بالدينار أو بالدولار، وقرار المصرف المركزي العراقي إلزام المصارف الأجنبية، بما فيها اللبنانية، زيادة رأس مالها إلى 50 مليون دولار (بدلاً من 70 مليوناً). إلاّ أنه تمّ الاتفاق على تقسيط هذا المبلغ على دفعتَيْن تستحقّ الأولى (25 مليون دولار) في نهاية 2016 على أن يُصار إلى حسم قيمة الرساميل المدفوعة سابقاً، وتستحقّ الدفعة الثانية (25 مليون دولار) مع نهاية 2017.
ومن المعوقات عدم اتّخاذ المصرف المركزي العراقي أي قرارات إجرائية تتعلّق بتعزيز الصيرفة الشاملة، ما يحدّ من قدرة المصارف اللبنانية على تقديم الخدمات والمنتجات المصرفية ويقتصر نشاطها على فتح الاعتمادات المستندية للعملاء.
وثمة عقبة مهمة يعاني منها القطاع المصرفي في العراق تتمثّل في غياب التنسيق بين البنك المركزي ورابطة المصارف العراقية بشأن إصدار التعاميم والقرارات، ما ينعكس سلباً على المصارف الموجودة في العراق.