لبنان .. الى النفط دُر
دخل لبنان عصر الإنتاج النفطي مع إقرار مجلس الوزراء لمرسومي النفط، اللذين وضعا لبنان على طريق الإنتاج التجاري للنفط والغاز المكتشف في مياه البحر المتوسط والذي تتوزّع ملكيته بينه، وبين قبرص، اليونان وفلسطين المحتلة.
وكان مرسوما النفط قد دخلا، منذ نحو 3 سنوات، الأدراج وغابا عن طاولة مجلس الوزراء، بفعل إدخال ملف النفط والغاز في زواريب السياسة. ويتعلّق المرسومان بتقسيم المياه البحرية الخاضعة للولاية القضائية للدولة اللبنانية، أي مناطق على شكل رقع (بلوكات)، ودفتر الشروط الخاص بدورات التراخيص في المياه البحرية، ونموذج اتفاق الاستكشاف والإنتاج، والنظام المالي لهيئة إدارة قطاع النفط، إضافة إلى مشروع قانون الأحكام الضريبية المتعلقة بالنشاطات البترولية ومشروع قانون الموارد البترولية في البر.
وأكد وزير الاتصالات سيزار ابي خليل اكتمال المنظومة التشريعية والقانونية لقطاع البترول في لبنان من خلال توقيع مجلس الوزراء للمرسومين اللذين يسمحان باستكمال دورة التراخيص اللبنانية الأولى وصولاً الى الاستكشاف وإنتاج النفط في المياه اللبنانية للدخول الى القطاع والعصر النفطي العالمي. وأكد أن هيئة البترول في صدد إنجاز قانون الصندوق السيادي الذي سيحمي الثروة الوطنية، مشيراً الى وجود تعديلات على الإجراءات الضريبية لتتناسب مع الأنشطة البترولية، مشيراً الى أن كل الإجراءات متخذة لتكون لدينا إجراءات بدرجة عالية من الشفافية مع كل المعايير التي تحصل في أفضل دول العالم.
خطوة أساسية
وعلى الرغم من أن إقرار المرسومين خطوة أساسية في انطلاقة القطاع النفطي فعلياً في لبنان، إلا أن أمام لبنان طريقاً طويلة عليه اجتيازها قبل أن يستفيد عملياً بشكل فعلي ومباشر من عمليات الإنتاج والبيع وإدخال الأموال الى خزينة الدولة، حيث يقدر المتابعون أن هذا الأمر قد لا يتحقق قبل 10 سنوات كحد أدنى.
وفقًا لتقديرات لبنانية غير رسمية، تحتوي مياه لبنان على 12 تريليون قدم مكعب من الغاز القابل للاستخراج و440-675 مليون برميل من احتياطي النفط، مقارنةً مع 5-8 تريليون قدم مكعب من احتياطي الغاز في حقل أفروديت قبرص الذي من المتوقع أن يبدأ إنتاجه عام 2019.
وتشير دراسة عن النفط نشرت في العام 2013 إلى أن "تحليل 10% من نتائج مسح 70% من مياه لبنان، أظهر وجود حوالى 30 ترليون قدم مكعب من الغاز و660 مليون برميل من النفط السائل.
إيجابيات اقتصادية
جميع المؤشرات تدل على حماسة لدى كل الأفرقاء لإيصال هذا الملف الحيوي الى خواتيمه المرجوة، فهو محركٌ أساسيٌ للاقتصاد اللبناني إذ إنّ استثمارات الشركات في التنقيب والاستكشاف وتطوير الحقول والإنتاج ستصل إلى مليارات الدولارات. حيث سيتعزز لبنان كبيئة جاذبة للاستثمار وآمنة للأعمال وحاضنة لها الى حين استخراج أولى الكميات من النفط والغاز، ما سينعكس إيجابا على آقتصاده إذ قد يؤدي الى مضاعفة الإنتاج الوطني الذي يبلغ 55 مليار دولار إذا كانت الأوضاع على ما يرام وبالتالي سترتد الإيجابيات على مختلف الصعد ضريبيا وماليا واجتماعيا واستثماريا.
وسوف يساعد إنتاج النفط والغاز في نمو الاقتصاد الذي يعاني من ارتفاع كلفة الطاقة التي تستند في معظمها على مولدات كهربائية تعمل على الديزل.
بالإضافة الى ذلك، تشير التوقعات الى أن إنتاج النفط سيساهم في كسب ثقة المستثمرين، لجهة قدرة المصارف اللبنانية على استيعاب ديون الدولة. كما يستفيد القطاع المالي في لبنان من إيرادات إضافية. على الرغم من أن عائدات الغاز والنفط تأتي في مرحلة الإنتاج.
وتشير أرقام غير رسمية، الى أن إنتاج الغاز والنفط سيساهم في لجم الإنفاق في كهرباء لبنان الذي يوازي نسبة 7 في المئة من حجم الإنفاق العام بعد عام 2022.
كما سيساهم في معالجة مسألة المحروقات التي تشكل نسبة 20 في المئة من مجموع استيراد السلع، أو 6.8 في المئة من الناتج المحلي، الذي يساهم في عجز قدره 19.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
قلق وخوف
وكما في كل عادة، يبقى التخوّف من ان يبقى اللبنانيون ملوك الفرص الضائعة. فبلدان حوض شرقي البحر الأبيض المتوسّط تعيش في الآونة الأخيرة تطورات في قطاع النّفط قّلما شهدتها من قبل. فلا يمضي شهرٌ إلّا ونسمع عن اكتشاف نفطي جديد أو إعلان عن دورة تراخيص أو تحالفات استراتيجية بين الدول لتسويق الغاز المكتشف. وقد ساهمت هذه التطورات في تحريك ديناميكيّة جيوستراتيجيّة دفعت بالدول العظمى إلى مراقبتها ومواكبتها عن كثب حتّى أنّها تدخلت لتذليل العقبات حيث أمكن.
وفي خضمّ هذا الجو، يحتاج لبنان إلى أن يلحق بما يدور حوله من حراك بترولي في الحوض المشرقي للبحر المتوسط وإطلاق قطاع التنقيب والاستكشاف والعمل على اجتذاب شركات النفط العالمية التي تملك الخبرات التقنية والملاءة المالية للاستثمار في مياهه البحرية والبدء بالاطّلاع على الأسواق الإقليمية المتبقية لبيع غازه. فقد خسر لبنان مؤخرًا من جرّاء التأخير الحاصل سوقا مهمة جدا له وهي السوق الأردنية. فقد نجحت "اسرائيل" في عقد اتفاقية بيع غاز مع الأردن بقيمة عشرة مليارات دولار لتوريد 300 مليون قدم مكعب في اليوم ولمدة خمس عشرة سنة.
كما يرى مراقبون أن إقرار المراسيم النفطية أتى متأخرا جدا نظرا إلى تدني سعر البرميل الخام عالميا الى حده الأدنى بعد أن تخطى الـ 115 دولارا في العام 2015، أي أن عملية استخراج النفط من المياه اللبنانية في الوقت الراهن لن تأتي بالمردود المطلوب للخزينة، لا بل قد تتسبب في خسارة فادحة لأن الدراسات تؤكد أن كلفة استخراج البرميل الواحد في لبنان تتراوح بين 60 و70 دولارا فيما يشتري لبنان البرميل من الأسواق العربية والعالمية بـ 50 دولارا.
مشكلتان
كما أن لبنان يقف أمام مشكلتين وفقاً لتحليل للبروفسير جاسم عجاقة أولهما يتعلق بسوق التصريف التي من الطبيعي أن تكون السوق الأوروبية نظراً لضخامتها وقربها الجغرافي ونظراً للتوقعات بإرتفاع الطلب في هذه السوق خلال الأعوام المقبلة. ويشير عجاقة الى أن الاحتمالات هي إما أن يتم نقل الغاز من البحر الى أوروبا عبر بواخر ما يفرض تسييل الغاز وبالتالي ارتفاع الكلفة، أو أن يتم إنشاء انبوب غازي بحري لنقل الغاز اللبناني الى أوروبا، وهذا الخيار ليس بمقدور الدولة اللبنانية القيام به وحدها نظراً لكلفته العالية.
ولفت الى أن المشكلة الثانية تتعلق بالصندوق السيادي الذي من المفروض أن يتلقى مداخيل النفط، إلا أنه لم ينشأ بعد ويبقى الخوف من أن يبقى عالقاً في الإدراج بسبب الخلاف السياسي. وشدّد على أهمية خلق الصندوق السيادي في ظل أجواء التوافق السياسي الحالي لأنه يشكل فرصة تاريخية للدفع بهذا الملف الى مستوى الدول الأخرى على مثال قطر التي ستموّل ميزانيتها من عائدات الصندوق السيادي في حلول 2020.