سوليفر .. صرح صناعي تهاوى
قدّورة: لا صناعة دون دعم الدولة
أقفل مصنع "سوليفر" لصناعة الزجاج، ومع إقفاله لا مجال دون إلقاء تحية الوداع عليه إذ شكّل على مر عشرات السنوات صرحاً صناعياً دعم القطاع، وها هو اليوم الذي يودّعنا فيه. إننا لسنا في حلم مزعج بل إنه كابوس حقيقي فرضه غياب الإيمان بالعمل الصناعي، فمن دون شك، يتجلّى الواقع الصناعي الصعب يوماً بعد يوم باندثار مصانع في مختلف القطاعات الصناعية.
وعلى الرغم من أن المعنيين يبشّرون بالدخول في حقبة جديدة من التعاطي مع القطاع، لكن يبقى القلق سيد الموقف مع إقفال عدد من المصانع كان سوليفر أهمها في الفترة الأخيرة، لنسأل: هل استفاقت الدولة بعد فوات الأوان، أم أنه لا تزال هناك فرصة لإنقاذ ما تبقى من القطاع؟ كما يطرح سؤال آخر نفسه، هل إن موجة التفاؤل هذه شبيهة بما سبقها من وعود طارت في الهواء وبقي الصناعي اللبناني وحيداً في مواجهة الصعاب، أو أنها حقاً بداية مرحلة جديدة عنوانها الأهم "دعم القطاع وحمايته"؟
وفي منزله الكائن في الجناح، يجلس صاحب مصنع سوليفر عزت قدورة قارئاً إحدى المجلات، شاخصاً الى الأمام. لربما هو لا يفكر في ما مضى حينما استثمر أمواله في الصناعة بغية دعم الإقتصاد الوطني وتأمين فرص عمل. فالندم لا يبدو عليه أو يظهر في حديثه عن "سوليفر" وكأنه ادّى قسطه للعلا، لكنه يقولها بأسى: "لبنان ليس بلداً صناعياً".
يعرف قدورة حق المعرفة كصناعي مخضرم المشاكل التي أدّت الى إقفال مصنعه، فهو منذ عام 1992 يطالب بالدعم والحماية من دون جدوى، حتى أتى قراره النهائي بأن لا عمل في القطاع الصناعي بعد اليوم.
خسارة للقطاع
إقفال سوليفر، المصنع الذي يبلغ عمره 50 عاماً، ليس خسارة لأصحابه فقط بل للصناعة اللبنانية التي تتهاوى شيئاً فشيئاً من دون أن تجد سنداً لها.
فعلى مر السنوات عانى "سوليفر" إلا أنه بقي واقفاً نتيجة اعتبارات كثيرة كان يأخذها قدورة بعين الاعتبار وتتعلّق بالمصانع العاملة معه والتي لا يمكن تركها دون بديل، وبالموظفين الذين يتجاوز عددهم الـ400 موظف. إلا أنه في العام الماضي، وجد قدّورة أن لا مفر من تجرّع الكأس المرّة، إذ إن الفرن في المصنع يحتاج الى إعادة تأهيل تفوق كلفتها الـ15 مليون دولار، ما ينذر بخسارات كبيرة.
ويعدّد قدورة مجموعة أسباب أدّت الى إقفال مصنع سوليفر، وأبرزها ضيق السوق اللبنانية ولا سيما في ظل منافسة السلع الأجنبية التي تتمتع بإعفاءات جمركية تعطيها قدرات تنافسية عالية تمكّنها من الإطاحة بالمنتج اللبناني". وقال: "تغرق السوق اللبنانية بمنتجات مستوردة من تركيا، مصر والسعودية حيث تتميّز الصناعة بانخفاض تكاليفها نظراً إلى الدعم المقدّم لها، ما شجع بعض التجار اللبنانيين على إنشاء مستودعات وتخزين البضائع المستوردة فيها بدلاً من التعامل مع مصنع لبناني".
لا حماية
وشدّد قدّورة على أن "سوليفر طرح معاناته مراراً وتكراراً أمام المسؤولين بغية معالجة المشاكل من دون جدوى، حيث إنه لا نية في لبنان لحماية الاستثمارات مهما بلغت أهميتها، فنحن كمستثمرين آثرنا السير عكس التيار والابتعاد عن القطاع العقاري وفضلنا الاستثمار في الصناعة، وها نحن نحصد النتيجة".
وكشف أن "سوليفر عانى الى حد كبير من ارتفاع كلفة توليد الطاقة، إذ إن هذه الكلفة شكلت 18% من مجمل كلفة الإنتاج في حين يتراوح معدلها في العالم بين 6 و7%".
ولفت الى "ارتفاع كلفة اليد العاملة حيث كان معدّل الأجور مرتفعاً في المصنع، إضافة الى أنه كان يدفع لموظفيه 16 شهراً ويؤمن لهم إضافة الى الضمان فرق التأمين الصحي".
قرار نهائي
وأعلن قدّورة أن "سوليفر أخذ بعين الإعتبار عدة مسائل قبل الإقفال وأبرزها عمل زبائنه حيث أبلغهم قرار الإقفال ومنحهم مهلة شهر ليعالجوا أوضاعهم وتنظيم عملهم ضمن الواقع الجديد، إذ إن الاستيراد من الخارج يحتاج الى إجراءات عدة وتأمين مستودعات ومسائل كثيرة لا بد للصناعيين من أن يعالجوها".
وأكد أن قرار إقفال "سوليفر" قرار نهائي لا عودة عنه حتى ولو تغيّرت المعطيات، ففي حين يحتاج الفرن الى إعادة تأهيل كان أداء الدولة طيلة السنوات الماضية مخيّباً للآمال إذ لم تفِ بوعودها وكانت بمثابة مغارة علي بابا وذلك بسبب الفساد المستشري في كل مفاصلها وضعف أداء مؤسساتها بشكل عام".
وأصرّ قدورة على اعتبار لبنان بلداً غير صناعي، على الرغم من اعترافه بامتلاكه الأدمغة والطاقات البشرية، معتبراً أن هذه الأمور غير كافية لبناء قطاع صناعي من دون وجود دور فعّال للدولة. فالصناعة تحتاج الى دعم وإجراءات حمائية تمكّنها من المنافسة في ظل الانفتاح الذي تشهده الأسواق على بعضها البعض.
إهمال متماد
ولفت قدورة الى أنه "كمستثمر يدرك حجم الإهمال لدى الدولة اللبنانية بحقّه، إذ إن لديه استثمارات في الدول الأفريقية وإسبانيا، تحظى بالدعم اللازم والإعفاءات المطلوبة على الرغم من أنها ليست بأهمية مصنع سوليفر، الذي كان يعتبر خامس أكبر مصنع في لبنان وكان الأكبر في مجال صناعة الزجاج".