غاز الإيراني عينه على المتوسط.. والأميركي يحاول العرقلة
أنابيب الصداقة.. و"اللعبة" الجيوسياسية
في مشاريع خطوط الغاز، عادة ما يركّز على الفوائد التي ستحصل عليها الدول المصدّرة، وينسى الجميع البُعد الجيو- سياسي، وكذلك الخلفيّات الإقتصادية للجهات المستوردة، ولمن يقف وراءها. وهذا ما ينطبق تماماً على المشهد الحالي في العالم، حيث تتجاوزالأحداث مسألة الضحايا التي تنتج من حروب الغاز، وترتبط مباشرة بمصالح حيويّة فائقة الأهمية للدول الإقليمية الأساسية، وللدول العظمى أيضاً.. كيف ذلك؟
عادت مصادر الطاقة لتتصدر مشهد الصراع والتحالفات الدولية من جديد، وفي فترة وجيزة أعادت منابع وخطوط نقل الغاز الطبيعي بين الشرق والغرب رسم خريطة هذه التحالفات التي تجسدت بشكل كبير في الاتفاقيات الموقعة بين إيران من جهة العراق وسورية من جهة أخرى.
وتمثل إيران رافداً أساسياً محتملاً لمشاريع الغاز، مضافاً إلى المصدر القطري ، فبالإضافة إلى امتلاكها احتياطيات غازية ونفطية هائلة كونها صاحبة ثاني أكبر احتياطي بعد روسيا، فإنها معبر مثالي لنقل الغاز التركماني إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب الإيرانية الموجودة إلى تركيا، وتلك التي تنفذ بينها وبين العراق وسورية الذي أطلقوا عليه اسم "أنابيب الصداقة"، حيث يشكل المشروع فعلياً مادة طاقة رئيسة في القرن الواحد والعشرين سواء من حيث البديل الطاقي لتراجع احتياطي النفط عالمياً من حيث الطاقة النظيفة. ولهذا.. فإن خطوط إمدادات الغاز تعتبر بالنسبة للقوى القديمة والحديثة أساس الصراع الدولي في تجلياته الإقليمية.
لا شك في أن إيران تعد خط غازها الممتد من أراضيها إلى البحر المتوسط عبر العراق وسورية، وسيلة مثالية للدخول في شراكة استراتيجية حقيقية مع أوروبا وكسر الحصار الذي فرضه الغرب على اقتصاداتها ، وذلك على الرغم من تأكيدات الولايات المتحدة معارضة واشنطن استعمال الغاز الإيراني في أوروبا، إلا أن المواقف السياسية مهما بلغت عدائيتها فإنها تتبدل، وتبقى المصالح الإقتصادية هي الحكم في العلاقات وتبادل المنافع. وهو ما يمكن رؤية اتجاهاته المعاكسة بين روسيا وإيران. فموسكو تفضل أن تركز طهران على تسويق منتجاتها في السوق الآسيوية كالهند والصين، وإبقاءها بعيدة من سوق الغاز الأوروبية، إلا أن إيران تجد منافسين لها في السوق الآسيوية، وتبقى لها السوق الأوروبية المتعطشة للإمدادات الإيرانية، ورغبة إيران الملحة في الشراكة الاستراتيجية مع أوروبا بعد الاتفاق النووي مع الغرب.
في هذا الاتجاه اعتبر اتفاق طهران مع بغداد ودمشق لمد خط أنابيب الغاز إلى سورية، ومنها إلى الأسواق الأوروبية في مرحلة لاحقة، بأكبر اتفاقية في الشرق الأوسط لتصدير الغاز الإيراني، حيث ستمتد الأنابيب على مسافة 5600 كيلومتر بتكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار، سينقل عبرها 110 ملايين متر مكعب يوميا. وبحسب رئيس شركة الغاز الوطنية الإيرانية جواد أوجي فأن سورية ستشتري ما بين 20 و25 مليون متر من الغاز الإيراني كل يوم. ولكن انفجار الأزمة السورية ـ واستمرار تداعيات الاحتلال الأميركي للعراق، أوقف المشروع حالياً رغم أنه قطع شوطاً كبيراً، أنهى خلالها تمديد الأنابيب في إيران والعراق.
وكانت الدول الثلاث قد شرعت في مباحثات بشأن المشروع منذ بداية العام 2009 ووقعت إيران وسورية في بداية العام 2011 اتفاقا أوليا لمد خط لنقل الغاز، ولكن رسميا تم توقيع الاتفاق في يوليو/ تموز من العام 2013. وقد شكلت مجموعة عمل من الدول الثلاث لإعداد الدراسات المتعلقة بخط الأنابيب. كما حظي هذا المشروع باهتمام لبنان ايضاً.
أهداف الدول الثلاث:
1ـ أهداف ايران:
تسعى طهران التي تستحوذ على حصة صغيرة من تجارة الغاز العالمية من خلال خطة التنمية الخامسة التي أقرتها إلى رفع حصتها من هذه التجارة. وبالرغم من الظروف السياسية والاقتصادية والعقوبات التي أدت إلى عدم تمكن طهران من أداء دور بارز وخلّاق في سوق الغاز العالمي إلا أن خط غاز الصداقة الذي سيصل إلى أوربا يمكن أن يضاعف من حصة ايران في التصدير، ونظراً لوجود تحديات وعقبات أمام "خط ناباكو" تأمل طهران أن يصل خط الغاز الإيراني ـ العراقي - السوري في المستقبل إلى اليونان وإيطاليا.
تعي طهران جيداً الظروف الأمنية في الغرب وسورية لكن كخطوة أولى تفكر بتنفيذ سريع لخط الأنابيب ليصل إلى العراق وهو ما تم فعلياً، وعلاوةً على هذه الاتفاقية فإن صادرات الطاقة الإيرانية إلى جانب التطورات الحاصلة في خط أنابيب السلام مع باكستان تزيد نوعاً ما من قوة وقدرة دبلوماسية الغاز الإيراني مقابل المنافسين الإقليميين كما تساهم في تحسين موقع إيران في كسب أسواق غاز جديدة في المنطقة والعالم.
2ـ أهداف العراق:
يحتل العراق المرتبة 13 بين الدول التي تعتبر منبع لاحتياطي الغاز في العالم إلا أن هذه المنابع ما زالت إلى حد كبير من دون استثمار. وخلال السنوات الأخيرة خطت الحكومة العراقية خطوات في مجال انتاج وتصدير الغاز من خلال إجراء مناقصات لتسليم حقول الغاز إلى شركات دولية ومع ذلك ما تزال تواجه أزمة مع تصاعد الطلب الداخلي على الغاز، كما تتطلع بغداد إلى قضايا أخرى كحقها في عبور الغاز الإيراني من خلال أراضيها إلى غرب آسيا حتى أوربا. كما تتطلع في المستقبل إلى المنافسة مع تركيا لأداء دور في ترانزيت الغاز وتصديره من طريق هذا الخط إلى غرب آسيا ومنها إلى أوروبا. وطبقاً للبرنامج الذي حُدد مسبقاً فمن المقرر أن يحصل العراق على 20-25 مليون متر مكعب من الغاز وهي كمية يمكن أن تؤمن جزءاً من احتياجات العراق وخاصة احتياجات المحطات في هذا البلد.
3ـ أهداف سورية :
السوريون قياساً بالعراقيين لديهم كميات غاز مثيرة للاهتمام لكنهم بالإضافة إلى تأمين احتياجاتهم من الغاز من خلال خط أنابيب الصداقة يفكرون في نقل الغاز بالعبور إلى الأردن ولبنان وكذلك يفكرون في تصديره عبر موانئهم إلى جنوب أوروبا. لكن مع ظهور تحديات أمنية تركز دمشق على حضورها في هذا المشروع لأنه في حال إحلال الاستقرار وتأمين الأمن في سورية ستكون لدمشق مشاكل حادة و متصاعدة مع تركيا ما سيصعب أي شكل من أشكال تبادل الطاقة بين البلدين. لذا تنظر دمشق بجدية كبيرة إلى خط الغاز الإيراني-العراقي-السوري.
في الختام، من الضرورة معرفة أنه وكما في الرياضة حينما يبحث النقاد عن نقاط القوة والضعف في طرفي المنافسة، يعرفون مسبقاً ولو بتقدير مبدئي لمن ستكون الغلبة، فإنّ الأمر لا يختلف كثيراً في مصادر الطاقة.
المشروع الأميركي:
كان لافتاً في عيد النوروز (21 آذار 2017) إعلان مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي أن لدى إيران أكبر احتياطي نفط وغاز في العالم، الأمر الذي يكشف السر وراء ذلك الترابط بين عمليات القوات الأميركية وحلفائها في الشرق السوري ( القوات الكردية السورية وقوات البيشمركة التي سيتم استقدامها الى شمال شرق سورية لاحقا بالاضافة الى بعض التشكيلات الميليشياوية من عشائر المنطقة وبتمويل خليجي )، بهدف قطع التواصل بين إيران والبحر الأبيض المتوسط والهدف من وراء ذلك:
أولاً، إن الهدف الأميركي يتمثل في منع طهران من تصدير الغاز والنفط الإيرانيين الى أوروبا عبر خطوط انابيب تمر في الأراضي العراقية والسورية وصولا الى البحر الأبيض المتوسط (وكما يفيد البعض هنا بان هذا قد يكون أحد أسباب فكرة إقامة قاعده بحرية في طرطوس كما ورد في الأنباء قبل فترة: أي تقديم الدعم اللوجستي لمنشات النفط والغاز المستقبلية).
ثانياً: أما عن أسباب أزمة الوجود الاميركي الشرق السوري فلا بد من العودة الى يوم 13/6/2016 عندما كان الجيش السوري والحلفاء في محيط قرية صفيان على بعد خمسة عشر كيلومترا من مطار الطبقة.
كادر
تنتج إيران حاليا 600 مليون متر مكعب من الغاز يوميا تصدر 37 مليونا منها، ويتوقع أن يرتفع الإنتاج إلى 1.2 مليار متر مكعب يوميا مع اكتمال 24 مرحلة لتطوير حقل بارس الجنوبي للغاز.