سار قطاع صناعة الآلات في لبنان وعلى مدى عشرات السنوات ، على طريق التطور والنمو، ما سمح له بغزو الأسواق الخارجية التي نجح الى حد كبير في حجز مكانٍ مرموق له فيها على الرغم من حدّة المنافسات والتحديات التي يعاني منها القطاع الصناعي اللبناني.
جال شعار "صنع في لبنان" في مختلف أصقاع العالم، وحطّ رحاله في معظم قاراته مسجلاً نجاحات كبيرة ساهمت في تكريس الثقة بالقطاع الصناعي الذي بقي متمسكاً بجودته طوال سنوات طويلة، معتبراً إياها خطاً أحمر ضمن سياسات عمله الذي لا يجوز المس به.
إلا أن هذه الطريق المليئة بالنجاحات والإزدهار لم تكن سالكة بالكامل، بل كانت مليئة بالتحديات والصعوبات التي تخطاها الصناعيون اللبنانيون بحنكتهم ونضالهم المستمر في سبيل تحقيق المزيد من التطور، النمو، والتوسّع.
قطاع أساسي وهام
وتعتبر صناعة الآلات صناعة أساسية هامة مجهزة تجهيزاً حديثاً تقوم بتصميم وتصنيع القطع والالات الزراعية الصناعية والكهربائية ، كما تقوم أيضاً بعمليات تجديد المحركات بواسطة عمليات الصب والخراطة. ويتبع إنتاج هذه الصناعات عموماً المواصفات العالمية للأصناف المعتمدة ولا سيما المواصفات القياسية البريطانية BSS والمواصفات القياسية الألمانية ((DIN.
وتنتج هذه المصانع 148 سلعة مختلفة، تتضمن مراجل البخار -مضخات السوائل -وحدات تكييف الهواء-ثلاجات على اختلاف أنواعها - أجهزة آلية لرش السوائل -صناعة الآلات -صناعة الحفارات -معاصر ومهارس - آلات ومعدات لتربية الدواجن -آلات صنع العجين والمخابز-آلات الخياطة-آلات فرز وغربلة وغسل وجرش وسحق وخلط الأتربة-آلات تقطيع ولحام أكياس النايلون -صناديق قولبة-أصناف صناعات الحنفيات -محولات كهربائية- بطاريات-القازانات وأجهزة تسخين المياه-مفاتيح ولوحات توزيع الكهرباء-لمبات كهربائية -أسلاك كابلات معزولة-اللوحات الكهربائية -منظمات كهربائية-مثبتات التيار الكهربائي.
ارتفاع الكلفة أبرز التحديات
تنوعت التحديات التي واجهت قطاع صناعة الآلات بين عدم الإستقرار الأمني والسياسي وما يحمله من تداعيات على القطاع الصناعي ككل، و ارتفاع تكلفة الإنتاج مقارنة مع الدول العربية والدول المحيطة حيث تتحمل المصانع اللبنانية أعباء كثيرة، منها ما هو منظور وغير منظور، ما أضعف من قدراتها التنافسية في الأسواق الخارجية وحد من قدرتها على التطور والنمو كون التصدير يوسع الآفاق أمامها ويسمح لها بالتوسع ولا سيما في ظل ضيق السوق الداخلية. وتتمثل هذه الأعباء بالرسوم الجمركية والضرائبية إضافة الى كلفة اليد العاملة التي تعد الأغلى في المنطقة.
وعلى مر السنوات، ضاعف غياب دعم الدولة للقطاع من معاناته، إذ بقي الصناعيون وحيدين في مواجهة الأزمات، وتخطي العقبات، ما أثر من دون شك في إمكانات الشركات للتوسع أكثر وتكريس حضورها في الأسواق الداخلية والخارجية على حد سواء.
نجاح منقطع النظير
في ضوء هذه التعقيدات، سؤال يطرح نفسه: كيف تمكّن قطاع صناعة الآلات في لبنان من تحقيق نجاح منقطع النظير في أسواق مختلفة في العالم؟
في الواقع، اعتمدت مصانع قطاع الآلات على استراتيجية تصنيع آلات تتمتع بمستوى عالٍ من التكنولوجيا والقدرة الإنتاجية وتتميّز بالدقة وبمعايير دولية وبجودة عالية. كما تميّزت مصانع القطاع بحصولها على شهادات المطابقة من مختلف هيئات المقاييس والمواصفات الدولية، إضافة الى شهادات المطابقة الأوروبية .
وأعطت المصانع لخدمات الصيانة حيزاً كبيراً من الإهتمام، ووضعت هذه الخدمات في سلم أولوياتها معتبرة إياها حقاً مكتسباً للزبائن، فكرّست الثقة باسم صناعة لبنان في مختلف دول العالم. كما أخضعت فرق عملها لدورات تدريبية بهدف تطوير مهاراتهم من خلال الدورات التدريبية وتنمية القدرات المهنية الفردية ومواكبة التطورات التكنولوجية في صناعة الآلات والبقاء على الإطلاع بأي مستجدات ولو كانت بسيطة في الأسواق، وفي مجال تكنولوجيا الآلات الحديثة من جهة أخرى.
صناعة المولدات
تعتبر صناعة المولدات من أكثر القطاعات ازدهاراً في قطاع صناعة الآلات إذ إن المشاكل المستعصية التي عانى منها قطاع الكهرباء في لبنان على مر سنوات طويلة، جعلت أبناءه من الروّاد والسبّاقين في تصنيع مجموعات التوليد الكهربائبة، فاكتسبوا الخبرة وأنشأوا مصانع تميّزت بإنتاجيات مرتفعة خولتهم المنافسة عالمياً.
وسمحت الخبرة الكبيرة التي اكتسبتها الشركات العاملة في القطاع، إضافة الى المهنية والاحترافية العالية التي تظهرها في عملها وتعاطيها مع زبائنها،
لصناعة المولدات في لبنان بتحقيق قفزة نوعية وتألق بارز تمثّلت ببروز ظاهرة التحوّل الى استهلاك المولّدات المجمعة محلياً في مشاريع مهمة وكبيرة بعد أن كانت المولدات المجمّعة في أوروبا وأمريكا خارج لبنان هي الأكثر طلباً على مدى عشرات السنوات.
وكرّس الإلتزام بتقديم أعلى معايير الجودة هذا النجاح، ولا سيما أن الشركات اللبنانية عمدت الى إقامة علاقات عمل وثيقة مع أشهر الشركات العالمية في قطاع صناعة المحركات كـ Leroy somer ، Perkins، و FG Wilson.
صناعة آلات الأفران
ويعتبر قطاع صناعة آلات الأفران من أهم القطاعات التي شهدت ازدهاراً كبيراً في قطاع صناعة الآلات في لبنان، حيث يعج القطاع بأسماء الشركات التي تمكنت من طرق أبواب الأسواق العالمية بتقديم منتجات متطورة وابتكارات لاقتة رواجاً كبيراً في الأسواق.
ويقدم القطاع مروحة واسعة من المنتجات تتضمن خطوط إنتاج آلية كومباك ونصف آلية كومباك، إضافة الى خطوط إنتاج مفردة ومزدوجة، وأفران تورتيلا، تنور، معجنات وقطاعات وفرادات ولفافات صامولي.
وتميّزت منتجات القطاع بالتكنولوجيا العالية التي مكّنتها من تقديم إنتاج لا تمسه الأيدي البشرية لتؤكد حرص الصناعة اللبنانية على مراعاتها لشروط السلامة وقدرتها على تقديم الأفضل إلى مستهلكيها في الأسواق الداخلية والخارجية على حد سواء.
ويرى الكثيرون أن الفضل في انتشار صناعة الأفران في الأسواق العالمية يعود إلى المغتربين اللبنانيين الموجودين في كل أصقاع العالم، والذين يعمدون الى تأسيس مخابز للخبز اللبناني أينما وجدوا.
ضمان جودة القطاع
إن انتشار صناعة الآلات اللبنانية في الأسواق العالمية يسلّط الضوء على ضرورة إيلاء القطاع الاهتمام اللازم، ومتابعة مشاكله عن كثب، بحيث تتواصل مع أبرز الشركات العاملة في القطاع لتبحث المشاكل وتبحث عن آليات لمعالجتها بشكل سريع، إذ إن البطء في معالجة القضايا يحد من آفاق تطور الصناعيين ويستنزف قدراتهم التي يفترض أن تكون مكرّسة لخدمة إقتصاد بلدهم.
كما من الضروري المحافظة على الإسم الذي بنته هذه الصناعة في الأسواق على مر عشرات السنين عبر ضبط الجودة في القطاع الصناعي ومراقبتها بهدف تعزيز الثقة بالقطاع في الأسواق اللبنانية والخارجية على حد سواء. ويستلزم هذا الأمر وضع مجموعة من المعايير للجودة المطلوبة، ومراقبة إنتاج المصانع ومطابقته لهذه المعايير، وبالتالي تفرز المصانع بين مطابق للجودة وغير مطابق، بحيث يتم وضع آلية لمساعدة المصانع غير المطابقة وإمدادها بالدعم اللازم من يد عاملة ودراسات وقروض ومختبرات لتحسين إنتاجها. ومن شأن تطبيق هذه الخطة، النهوض بالقطاع وتشريع أبواب الأسواق أمام الإنتاج اللبناني أكثر وأكثر ما يفسح أمامه مجالاً واسعاً للتطور.