الدعم لمواجهة الإغراق قد يبصر النور.. ولا خوف من احتكارات
شري: لسنا من أصحاب المصالح الضيقة
إنه وقت عصيب يعيشه القطاع الصناعي اللبناني المحاصر بالتحديات والصعوبات من كل حدب وصوب. فإضافة الى صعوبات عايشها على مر سنوات طويلة، جاءت أزمات المنطقة وإقفال المعابر الحدودية لتصب الزيت على النار.
في الأسواق الداخلية، تتنوّع التحديات بين منافسات غير متكافئة وإغراق متزايد وارتفاع كبير في تكلفة الإنتاج مقارنة مع دول المنطقة. وفي الأسواق الخارجية، تراجع كبير للصادرات ينذر بالمحظور إذا لم يتم تدارك الأمر. جمعية الصناعيين اللبنانيين رفعت الصوت عالياً، مطالبة بتحرك سريع يدعم القطاع في الأسواق الداخلية بغية نيل حصة أكبر منه في ظل تضاؤل وجودها في الأسواق الخارجية.
ناقوس الخطر دق، لكن هل يسمع من صم أذنيه طيلة عشرات السنوات؟ قد يكون من الصعب أن نصدق أن الجواب إيجابي، وأن الصناعة تقف أمام عتبة مرحلة جديدة عنوانها "الدعم"، لكن وفقاً لأمين عام جمعية الصناعيين اللبنانيين د. خليل شري الإيجابيات كثيرة ومؤشرات واعدة تسيطر على الأجواء الصناعية إذ من المتوقع أن تقر اللجنة الوزارية الإقتصادية آليات لدعم القطاع الصناعي وتمكينة من مواجهة الإغراق.
وأشار شري الى أن " هذا التوجه هو ثمرة جهود قامت بها جمعية الصناعيين عقب انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وعودة عجلة العمل المؤسساتي إلى الدوران بعد شلل دام عامين ونصف". وشدّد على أن "الواقع الاقتصادي الصعب بشكل عام والواقع الصناعي بشكل خاص دفعا جمعية الصناعيين الى رفع الصوت والتحرك حيث زارت الرؤساء الثلاثة الذين أجمعوا على ضرورة بذل الجهود لتحريك الاقتصاد نتيجة الانكماش الذي يشهده وضعف القطاعات الإنتاجية التي تؤمن فرص عمل شتّى ومن بينها الصناعة".
وكشف "أن هذه الجهود ترافقت بطبيعة الحال مع جهود لوزير الصناعة حسين الحاج حسن الذي يعتبر من أكثر الوزراء المؤمنين بالقطاع الصناعي، إذ لم يوفر أي جهد إلا وبذله على صعيد مجلس الوزراء وفي الوزارات المعنية من أجل إقرار الدعم للقطاع الصناعي".
لا نطلب إلا تطبيق القوانين
وشدّد شري على أن "الصناعيين لا يسعون إلى الحماية على الرغم من أنهم مقتنعون ومؤمنون بها، بل يطالبون بتطبيق القوانين الموجودة أصلاً منذ عشرات السنوات والتي تمكن القطاعات من مواجهة الإغراق. وقال: " هناك فرق كبير بين الحماية والدعم من أجل مواجهة الإغراق. فالحماية تتطلب إجراءات محدّدة نأى لبنان بنفسه عنها، إذ ألغى في التسعينات الرسوم الجمركية التي كانت تحمي بعض الصناعات. لكن ما نطالب به هو دعم قدرات القطاع التنافسية عبر رسم نوعي يمكنه من مواجهة الإغراق بغية الحفاظ على نموه واستمراريته".
وأكد أن "هذه المطالب ليست ترفاً للصناعيين بل إنها تأتي في ظل أزمة متواصلة يعايشها القطاع منذ خمس سنوات زادت حدّتها مع إقفال المعابر الحدودية وتراجع حجم الصادرات ما سلّط الضوء على حاجة القطاع الصناعي إلى جزء من السوق المحلية". واعتبر أن "تأمين الدعم للقطاع الصناعي مسألة اقتصادية مهمة جداً إذ إنه قطاع واعد، أثبت قدرته على الصمود في مواجهة الأزمات واكتسب مناعة تمكنه من التكيّف مع أصعبها، كما يؤمن فرص عمل بشكل مباشر لأكثر من ثلث الشعب اللبناني".
إقرار 3 ملفات قريباً
وأعلن شري أن "جمعية الصناعيين قامت بدراسات علمية للقطاعات التي تتعرض للإغراق بالتعاون مع وزارتي الاقتصاد والصناعة والمجلس الأعلى للجمارك". وشدّد على أنه "لدى إعداد هذه الدراسات تم الأخذ بعين الاعتبار الواقع الاقتصادي ومصالح الأطراف كافة ولا سيما المستهلكون والتجار، إذ يبقى الهم الأساسي حصول المستهلكين على السلعة بسعر وجودة مناسبين".
وكشف أن "دراسة لعشرين سلعة استكملت حتى الآن لحمايتها من الإغراق، كما يتم درس ملفات أخرى وتم رفع أكثر من ملف لإتخاذ قرارات بشأنها على مستوى مجلس الوزراء، ومن دون شك سترفع الملفات الأخرى تباعاً".
وأشار الى أنه "لم يتم بعد إقرار أي من الملفات لكن الأجواء إيجابية والجمعية تلقت وعوداً بإمكانية إقرار 3 ملفات في وقت قريب جداً وتتعلق بالطحين والبرغل والباستا".
وفي رد على سؤال حول الطلب في الأسواق وقدرة المصانع الإنتاجية، شدّد على أن هذه الملفات أعدت وفقاً لدراسات دقيقة، وهي ملفات متكاملة معدّة من قبل خبراء أخذوا بعين الاعتبار حجم الإنتاج وقدرات المصانع الإنتاجية وتكلفة الإنتاج وكيفية وصول المنتج الى المستهلك". وأعلن أنه "ومن دون شك ستكون هناك ملفات أخرى، ولكن في الوقت الحالي أعطيت الأولوية للقطاعات التي تواجه إغراقاً فعلياً يهدّد بصرف عمال واندثار مصانع عمرها عشرات السنوات".
لا خيار أمامنا إلا الخطط الجديدة
وأكد شري أنه "لأول مرة يكون منسوب التفاؤل مرتفعاً الى حد كبير لدى الصناعيين، وذلك بعد أن لمسوا الكثير من التجاوب من المسؤولين والذي يأملون ان يترجم في أقرب وقت ممكن". وقال: "بطبيعة الحال يبقى التفاؤل هو السلاح الأبرز الذي يواجة الصناعيون به الأزمات، فلولا تفاؤلهم لكان عدد كبير من المصانع في القطاع مقفلاً، لكن الصناعي مرتبط بأرضه وبالرغم من كل الظروف الصعبة لا يفكر بنقل استثماره الى أي بلد آخر، ولذلك نجد أنه عبر السنوات استثمر الصناعيون في القطاع بمليارات الدولارات على الرغم من كل الظروف الصعبة التي مروا بها".
واعتبر أن إهمال الصناعة على مر السنوات من قبل الطبقة السياسية الموجودة حتى الآن في سدة الحكم، لا يبدّد آمال الصناعيين بنيل ما يطمحون إليه على صعيد مواجهة الإغراق إذ إن الظروف المحيطة ووظيفة لبنان الاقتصادية في الستينات والسبعينات والثمانينات كبلد خدمات وسيط بين الشرق والغرب ومنفذ الى الدول العربية انتهت. وقال: "في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة وما يشهده الاقتصاد من تراجع لم يعد بالإمكان الرهان على قطاع الخدمات والتجارة والترانزيت. ولم يعد لدينا إلا خيار التفكير بخطط اقتصادية جديدة. وبالتالي المسؤولون أنفسهم، وهذا بالتحديد ما لمسناه، لقد تغيّرت نظرتهم إلى الأمور ولا سيما أنهم يحتاجون إلى أن يكونوا واقعيين، ويضعوا تركيزهم على القطاعات الإنتاجية لأنها الخيار الوحيد المتاح لتأمين فرص عمل وتحقيق نمو اقتصادي في لبنان".
ولم يبدِ شري أي تخوّف من ذهاب جهود جمعية الصناعيين أدراج الرياح إذا ما جرت انتخابات وتم تشكيل حكومة جديدة، إذ وفقاً له الانتخابات لن تحمل تغييرات كبيرة في الوجوه السياسية وستبقى الساحة السياسية واضحة المعالم، وبالتالي ستتألف الحكومة من القوى السياسية نفسها الموجودة الآن.
مخاوف غير مبررة
ورفض الحديث عن أي إمكانية لأن تشهد الأسواق مع فرض الرسم النوعي ضعفاً في المنافسات وأشكال من الاحتكار، وعلّل ذلك بأن "كل الصناعات في القطاع تضم عدة مصانع، والتي من دون شك ستبقى تتنافس بين بعضها البعض على مستوى الأسعار والجودة. كما أن القطاع سيبقى يسير على خطى التطور كون الصناعات اللبنانية ستبقى متواجدة في الأسواق الخارجية ومحافظة على قدراتها التنافسية".
وأشار الى أن "جمعية الصناعيين لا تطلب منع التجارة، بل جل ما تطلبه رسماً نوعياً يحمي الصناعات الوطنية من الإغراق وبالتالي فهي تطلب العدل وترسي أسساً لمنافسات مشروعة".
وأكد أن "الرسم النوعي قد درس بدقة ووزارة الإقتصاد أخذت بعين الاعتبار مسألة الاحتكار وارتفاع الأسعار لدى إعداد الملفات".
وشدّد على أن "الصناعيين ليسوا من أصحاب المصالح الضيقة، بل يملكون رؤية وطنية للاقتصاد ويدركون أهمية دور القطاع الصناعي. وعندما يطرحون مطالب ما تبقى المصلحة العامة بالنسبة إليهم فوق كل اعتبار، وبناء عليه فإن درس الملفات أحاط بالمسائل من كل جوانبها. ولذلك فإن أي خوف من التجار أو من المستهلكين أو أي طرف يطاوله فرض الرسم النوعي بشكل مباشر أو غير مباشر هو غير مبرر".
كادر
جمعية الصناعيين لا تطلب منع التجارة، بل جل ما تطلبه رسماً نوعياً يحمي الصناعات الوطنية من الإغراق وبالتالي فهي تطلب العدل وترسي أسساً لمنافسات مشروعة