من العوامل التي دفعت البرزاني للاستفتاء الفساد المالي والإداري
إقليم كردستان.. حصار اقتصادي ونفطي
ما أن اتخذت حكومة إقليم كردستان العراقية، خطوات عملية نحو الانفصال عن العراق، حتى قرعت دول الجوار، وعلى رأسها تركيا وإيران طبول إعلان القطيعة وفرض العقوبات التجارية والاقتصادية التي يمكنها وحدها فرض عزلة على الإقليم وضرب موارده من النفط والسياحة والتجارة وتدهور عملته وتضخم الأسعار في أسواقه التجارية، وخاصة أن دول الجوار أعلنت صراحة إغلاق حدودها مع أربيل في حال الانفصال.
ليس غريباً أن يمر خبر ما أعلنته صحيفة تركية أن أنقرة قامت بتجميد أرصدة الإقليم المالية في تركيا، ولم يثر أي ضجة رغم أنه يعتبر فضيحة بكل المقاييس لحكومة إقليم كردستان ورئيس الإقليم مسعود البرزاني.
لكن الرقم المعلن عن حجم هذه الودائع يثير تساؤلات كثيرة عن مصادر هذه الأموال وعلاقتها بالفساد المستشري في كردستان العراق مثلها مثل غيرها من مناطق البلاد المبتلاة بهذا الوباء. فالصحيفة المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة تتحدث عن تجميد أرصدة بقيمة 15 مليار دولار!! وهو مبلغ لا يمكن التقليل من شأنه في ظل الضائقة التي عاني منها المواطنون الأكراد في الإقليم الشمالي من العراق في السنوات الأخيرة.
من المؤكد أن تركيا لا يحق لها مصادرة أموال الشعب الكردي التي "اؤتمنت" عليها وبغض النظر عن الغموض الذي يحيط بهذه الأموال. لكن الجوانب الحساسة للخبر تكمن في عدم الوضوح بشأن طبيعة هذه الأموال والجهة التي تشرف على إدارتها والأشخاص الذين يملكون حق التصرف فيها والغرض من إيداعها في تركيا بالذات؟
غير أن هناك أسئلة مهمة يثيرها الخبر المفاجئ عن أرصدة الإقليم في تركيا. إذا كانت رئاسة الإقليم تحتفظ في تركيا فقط بوادئع قيمتها 15 مليار دولار، فما هو حجم الودائع داخل الإقليم وكم تبلغ قيمة الحسابات السرية في الدول الأخرى مثل دبي وسويسرا وإيران التي لم يكشف عنها حتى الآن؟
وعن أوراق القوة الاقتصادية التي يملكها الإقليم، يشير المحلل الاقتصادي في الإقليم، أحمد قاسم، إلى أن الاستثمارات الكردية في تركيا، من إقليم كردستان فقط، وليس من الأكراد الأتراك، تزيد على 100 مليار دولار، تبلغ حصة رئيس حكومة الإقليم الذي يملك شركة جهان التي لها 12 فرعاً في تركيا، نيجيرفان بارزاني، أكثر من 50 مليار دولار منها، وهي عرضة للتوقف والانسحاب، لو وصل الأمر إلى سحب الاستثمارات التركية وفرض قيود على المعابر وتصدير النفط وإيقاف مشروع خط الغاز.
من هنا تجب معرفة أنّ عوامل وأسباب التوجه نحو الاستفتاء هي في الواقع لتغطية الفساد والفشل خلال السنوات الأخيرة في إدارة الفساد، وبسبب الفساد المالي والإداري الذي بدأ يستوعب الكثير من الأموال من طريق النفط أو المنافذ الحدودية أو الاستيلاء، على بعض الأموال وغيرها، لذلك فإنّ مشكلة التوتر أساسها اقتصادي. ولذلك فإن توجه البرزاني نحو الاستفتاء يشبه لعبة الروليت الروسية. ففي المسدس طلقة واحدة. وعليه أن يجرب حظه بطلقة فارغة أم بطلقة قاتلة؟ وفي بغداد وطهران وتركيا وسورية ينتظرون يوم الضغط على الزناد!
الخريطة الاقتصادية
تعتمد الخريطة الاقتصادية لإقليم كردستان، على تصدير النفط من خلال أنابيب ممتدة حتى ميناء جيهان التركي، كما أنّ تركيا تستثمر مبالغ تصل إلى 40 مليار دولار في الإقليم، موزعة على قطاعات مختلفة من بينها النفط والغاز والكهرباء والاتصالات والإسكان والبنى التحتية والتصدير اليومي لاحتياجات الإقليم الغذائية والقطاع المصرفي، ومن بينها ديون بنحو 8 مليارات دولار في ذمة حكومة كردستان.
ولإيران استثمارات تقدر بنحو 6 مليارات دولار في كردستان العراق، فضلا عن حركة التجارة الواسعة عبر المنافذ الحدودية المتعددة مع الإقليم، كما أنّ قطاع السياحة يعدّ من أساسيات اقتصاد كردستان الإقليم، ويعتمد عليه بشكل كبير وإغلاق الحدود التركية والإيرانية سيقضي على هذا القطاع بالكامل حسب خبراء.
ويكشف نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة السابق،بهاء الأعرجي عن ذهاب ما يقارب 150 ألف برميل يوميا الى حزبي الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، أن جميع الحكومات، بما فيها حكومة رئيس الوزراء حيدرالعبادي، تعلم بذلك.
ويؤكد الخبير الاقتصادي العراقي "باسم جميل أنطوان"، أن "نمو الاقتصاد وازدهاره في كردستان العراق مرهون بالاستقرار الأمني والسياسي، وفي حال فقد ذلك سيبدأ بالتأثر والشح في السلع والمواد، ويبدأ المواطن بالتقشف تخوفا من المستقبل المجهول، وهذا يؤدي الى انكماش الاقتصاد بشكل عام".
توقع انطوان انسحاب معظم شركات الاستثمارية الأجنبية والعربية والسياحية من إقليم كردستان في حال إغلاق الحدود البرية بين الدول المجاورة, مبينا أن الإقليم سيعاني من أزمة مالية خانقة في حال فرض الدول الإقليمية حصاراً اقتصادياً. خصوصا بعد توقف تصدير النفط الذي يقدر بـ بنحو 750 ألف برميل يومياً الى الإيقاف التام بعد اغلاق ميناء جيهان التركي الذي يعد المنفذ الوحيد أمام الإقليم.
ورأت الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم أن الأسعار في الأسواق المحلية لإقليم كردستان سوف تشهد ارتفاعاً كبيراً في حال فرض الحصار الاقتصادي عليه من قبل تركيا وإيران، في حين أشارت الى أن الإقليم سوف يتضرر بنسبة أكبر من الحصار التركي نظراً لوجود الكثير من الشركات الاستثمارية التركية العاملة في كردستان.
وأوضحت الخبيرة الاقتصادية، أن «الأزمة الاقتصادية سوف تؤثر بشكل مباشر على المواطن الذي يعاني بشكل مسبق من الأزمة المالية بسبب عدم صرف الرواتب بشكل منتظم خلال السنتين الماضيتين من دون التأثير على المسؤولين في الحكومة»، مضيفة بأن «المسؤولين في كردستان حصّنوا أنفسهم بالأموال الكبيرة التي يأخذونها من خلال تصدير النفط ويضعونها في حساباتهم الشخصية في البنوك".