التكتل الذي بدأ بتغيير قواعد العلاقات الاقتصادية الدولية
"بريكس" الصينية.. المستقبل والتحديات
أصبحتْ مجموعة البريكس (BRICS) التي تشكَّلتْ في العام 2006، وعشية الاجتماع الأخير لها في الثاني من أيلول/ سبتمبر عام 2017 بمدينة "شين يانغ" الصينية، أصبحت، بعد عشرة سنوات من تأسيسها، تمتلك رؤيةً استراتيجيةً متكاملةً بشأن تغيير قواعد اللعبة الاقتصادية الدولية التي تُهيمن عليها الولايات المتحدة عبر نظام مُشوَّه للمدفوعات الدولية (الدولار)، والنظام النقدي والمصرفي الدولي، على العالم أجمع.
افتتح الرئيس الصيني شي جين بينغ منتدى الأعمال لدول "البريكس" في مدينة "شيامين" تحت عنوان "علاقات شراكة أقوى لمستقبل أكثر سطوعا"، بتأكيده أن دول المنتدى الخمس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) تعمل على بناء ثقة متبادلة وتدعو إلى التمسك بالنقاط المشتركة بينها لدعم التنمية.
وقال الرئيس الصيني، إن تنمية الدول الأعضاء في مجموعة بريكس حققت منافع ملموسة لما يزيد على 3 مليارات شخص. غير أن عبارات جين بينغ تضمنت رداً ضمنياً على منتقدي المنتدى الذين يركزون في انتقاداتهم على خصومات تجارية وسياسية وحتى عسكرية بين أعضائه.
وجاء بيان "شيامين" في ختام القمة متضمناً أكثر من 70 مفهوما مشتركا، ومقدماً أيضا منبراً هاماً لتشاطر الآراء بين الأسواق الصاعدة والدول النامية مع دعوة الصين خمس دول للمشاركة في حوار إستراتيجي في إطار القمة من بينها مصر، طاجيكستان، تايلاند، غينيا، والمكسيك.
خطوط النظام الاقتصادي الجديد
مع انتهاء أعمال قمة "بريكس" في مدينة "شيامن" الصينية، يتضح محاولات التكتل الذي يشكل عدد مواطنيه نحو نصف سكان العالم، لوضع خطوط عريضة لنظام جديد للاقتصاد العالمي، لكن اللافت على هامش القمة كان الاهتمام البارز الذي توليه دول التكتل، وعلى رأسها الصين، بدور الدول العربية في التحولات المقبلة. وأطلق قادة دول "بريكس" ما أطلقوا عليه اسم العقد الذهبي الثاني مرتكزا على أربعة محاور أساسية تشمل السعي نحو تحقيق نتائج عملية في التعاون الاقتصادي، ودعم الاندماج في استراتيجيات التنمية، وجعل النظام العالمي أكثر عدالة ومعقولية، وتعزيز التبادل بين الشعوب.
ولذلك حظيت القمة باهتمام بالغ هذا العام، لاستهدافها تحرير التجارة، وفتح الاقتصاد العالمى، والاستثمار فى أسواق الدول الواعدة اقتصاديًا خلال السنوات المقبلة، ولعل مشاركة مصر البارزة فى القمة الاقتصادية، خير دليل على مستقبل الاقتصاد المصرى، الذى يجذب الدول الاقتصادية الكبرى للاستثمار فيه.
وبينما أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ على أن مبادرة "الحزام والطريق" ليست أداة جيوسياسية، لكنها منصة للتعاون العملي، شدد كذلك على أن البلدان العربية أصبحت من الشركاء المهمين في بناء الحزام والطريق، مثمنا التعاون الأوسع نطاقا والإنجازات التي تم تحقيقها بين الجانبين. وفي كلمته أمام قادة بريكس، أشار جين بينغ إلى أن دول التكتل أصبحت بؤرة جديدة في الاقتصاد العالمي خلال عشر سنوات من التنمية، ومن المتوقع أن تستمر في أن تلعب دورا حاسما، ولهذا يتعين على دول بريكس إنجاز مهام كبيرة لنمو اقتصادياتها وخلق العقد الذهبي من التعاون.
وخلال القمة، تمت مناقشة الدفع بأدوات جديدة في النظام الاقتصادي العالمي، مثل إمكانية إطلاق "عملة بريكس" مشفرة بديلا لأدوات الدفع الأخرى، وكذلك إمكانية إقامة مؤسسات تصنيف للدول النامية، وبخاصة لدول بريكس، لتكون بديلا عن مؤسسات التصنيف الغربية، مثل "موديز" و"فيتش"، وغيرها.
وتأتي هذه القمة تتويجا لجهود الصين الدؤوبة نحو تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة ودعم الاقتصاديات النامية والأسواق الناشئة في ضوء استضافتها لقمة العشرين العام الماضي ومنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي في مايو/أيار الماضي في بكين.
وتعد مبادرة الحزام والطريق المشروع الصيني الاستراتيجي الضخم الذي يهدف إلى إحياء مفهوم وروح طريق الحرير القديم عن طريق إنشاء شبكة تجارة وبنية تحتية من طرق وموانئ وجسور وخدمات اتصالات ونقل وغيرها لتصل الصين مع آسيا وأوروبا وأفريقيا، حيث من المتوقع أن يغطي أكثر من 60 من بلدان العالم ليشمل هذا المشروع نحو 65 في المائة من سكان العالم، وثلث الناتج الإجمالي العالمي، وربع البضائع والخدمات التي تتحرك في العالم.
تقرير CNBC
أفاد تقرير لشبكة CNBC أن الصين تعتزم اتخاذ خطوة جدية لوقف الهيمنة العالمية للدولار، وهذا قد يحدث بالفعل هذا العام.
وبحسب تقرير CNBC فإن استراتيجية الصين الجديدة هي طرح العقود الآجلة للنفط باليوان في الأشهر المقبلة.
وأكد التقرير أن بكين تأمل في حال لاقت هذه الخطوة رواجا وانتشارا واسعا في العالم، أن تضع الدولار بمأزق لا يحسد عليه، وترميه من عليائه كأقوى عملة في العالم.
وتعد الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، لذلك تعتبر بكين من المنطقي جدا أن تشارك عملتها الخاصة اليوان في عمليات التبادل التجاري لأهم السلع.
ويعتبر رفض التعامل بالدولار في التبادل التجاري بين بعض الدول كالصين وروسيا أولوية استراتيجية من أجل خفض الاعتماد على العملة الأميركية والحد من مخاطر تقلبات العملات، والتهديدات المترتبة على فرض عقوبات أميركية.
ووفقا لغالا ليوفتا، المدير المشارك لمعهد تحليل الأمن العالمي في واشنطن، سيكون هذا الحدث علامة أخرى على بداية "العصر الجليدي"، الذي يعني ضمنا انخفاض قيمة الدولار.
ويتساءل جون دريسكول، مدير "JTD" لخدمات الطاقة المتجددة في سنغافورة، عما إذا كانت العقود متساوية في شروطها لكافة الشركات الأجنبية على حد سواء.
وقال دريكسول: "يمكن أن تصبح الصين أسرع مستهلك للطاقة والأكثر قوة في العالم، لكن حكومتها المركزية تحافظ على دورها المهيمن على قطاع الطاقة في البلاد، وإذا اعتمدت على شركات الدولة لتعزيز الخطوة الجديدة، فإن ذلك قد يصبح غير مشجع بالنسبة للاعبين الأجانب".
ويتوقع عدد من المحللين أن تكون روسيا أولى الدول الموافقة على بيع نفطها للصين باليوان، لتلحق بركبها الدول المورّدة للنفط من الشرق الأوسط وآسيا.
ولكن على الرغم من الاستبداد الأميركي في الحكم المالي الذي استمر على مدى العقود الماضية، لا ينبغي على الأميركيين أن يتفاجأوا في حال ظهرت قوى منافسة لمركزهم في السوق الاقتصادية؛ فبغض النظر عن الدلالات الرمزية العميقة التي يمكن أن تحملها الاجتماعات مثل اجتماع التكامل المالي الأسيوي، يمكن اعتبار أن هذه الاجتماعات هي ثمرة للجهد الأسيوي الذي تم بذله منذ الأزمة المالية الأسيوية في أواخر التسيعينيات، وهذه الجهود لم يتم اختراعها في الصين لوحدها، على الرغم من أن الأخيرة سعت للاستفادة منها لصالحها، ويمكننا القول إن بذل الجهد وعقد الاجتماعات التطويرية سوف تبقى السمة الدائمة للواقع السياسي والاقتصادي في أسيا، ومن شبه المؤكد أن هذا الاقتصاد سوف يشكل تحديًا تنافسيًا متزايدًا على قيادة الولايات المتحدة الاقتصادية في مناطق المحيط الهادئ.
واشنطن مجبرة على قبول هذا التحدي، وعليها في بادئ الأمر أن تتكيّف وتتحضر لهذه المنافسة، وهذا التحضير سيتطلب بشكل أولي، فهمًا واضحًا وعميقًا لجذور التغيير في أسيا، وبكلمات أبسط لا يمكن للولايات المتحدة أن تنجح في سعيها لمنافسة أسيا سواء في الأمور الجيوسياسية أو في الأعمال التجارية، ما لم تفهم بشكل صحيح جذور ومصادر هؤلاء المنافسين في المقام الأول.
فهل سنشهد بعد قمة بريكس وبعد الأفول الأميركي الواضح عالميا انبثاق النظام الدولي الجديد الذي كان من المزمع انعقاده قبل أكثر من عقدين من الزمان. الأيام القادمة حبلى والتاريخ يشهد.
يقول ماريانو تورزي، الأستاذ في جامعة توركواتو دي تيلا في بوينس أيرس، أنه "في غضون السنوات ال 10 إلى ال 15 المقبلة، ستعيد البريكس هيكلة العلاقات الإقتصادية والدبلوماسية الدولية، وفي تلك الفترة سيكون من الصعب أن ترتد قوتها إلى الوراء مرة أخرى" .