مع إطلالة عام 2015، تبقى التوقعات بالنسبة للاقتصاد اللبناني مفتوحة على كل الاحتمالات. ففي ظل الشغور الرئاسي وعدم الاستقرار الأمني والسياسي وامتدادات الأزمة السورية إلى الداخل اللبناني، أصبح من الضروري التحرك سريعاً للملمة ما تبقى من الإقتصاد، ومنعه من الدخول في المجهول. فالمشكلة الإقتصادية والمالية ستكون أكثر صعوبة في العام 2015 من العام الحالي، نتيجة استمرار تراجع أكثر المؤشرات والنتائج الإقتصادية والاجتماعية، من تراجع الصادرات وعناصر النمو الإقتصادي في لبنان، من سياحة وزراعة واستثمارات خارجية جديدة، ناهيك عن نمو البطالة وتراجع التقديمات والخدمات، مع تفاقم أزمة النازحين.
"الصناعة والاقتصاد" استطلعت آراء عدد من خبراء الإقتصاد لاستشراف الواقع الإقتصادي خلال العام الجديد، وإمكانية وقف المسار الانحداري للإقتصاد، فكانت هذه اللقاءات:
مقلد
أشار الخبير الإقتصادي حسن مقلد في حديث مع "الصناعة والاقتصاد" إلى أن "لبنان يواجه مشكلة كبيرة تتمثل بغياب أي توجه أو خيار حكومي إقتصادي واضح". وأضاف: " اليوم وبكل ما للمعنى من كلمة "البلد متروك ولولا ضبط الجانبين النقدي والمالي لكان الوضع أكثر تعقيداً. وبالطبع، هذا الوضع ينعكس على كل مفاصل البلد فالحكومة اليوم لا تتصرف من موقع المسؤولية بل تأخذ دور الرأي العام أوالنواب أو المجتمع المدني، وهذا ما شاهدناه في مسألة الفساد الغذائي. وبرأيي، لبنان لن يستطيع الاستمرار في ظل هذا الشلل، وإذا استمر سندفع أثمانا كبيرة من دون أي إمكانيات للمواجهة".
ورأى مقلد أن "استمرار الشلل سيولد أزمة، فإذا لم يحصل حوار وطني جدي وتوافق على اتخاذ قرارات لتحريك عجلة الإقتصاد، التحديات ستكبر".
الخدمات العامة
واعتبر مقلد أن قطاع الخدمات سيكون الأكثر تأثراً، إذ سيرتفع الضغط على الخدمات العامة التي تشمل الكهرباء والمياه. وقال: " لقد مضى على غياب الموازنة 10 سنوات، ما أدى إلى تفاقم المشاكل في القطاع بشكل كبير. في السنوات الأولى، لم تكن هناك تغيرات بنيوية، وكان الصرف على أساس القاعدة الإثني عشرية يسمح بسد بعض الثغرات، لكننا اليوم بحاجة إلى تصور لمعالجة المشاكل الداهمة والحد من تفاقمها".
وتابع: "قطاع الكهرباء سيشهد ضغطاً كبيراً كونه يعاني من مشكلتين كبيرتين، ففي حين لم يتم تشييد أو تجهيز أي معمل منذ عام 1997، يرتفع الطلب على خدمات الكهرباء في حين تتناقص إمكانات تأمينها. إضافة إلى ذلك، كلفة إنتاج الكهرباء في لبنان مرتفعة مقارنة بالبلدان الأخرى، تراجع أسعار النفط يخفض كلفة الإنتاج وبالتالي العجز لكن لا يعالجه. ما يجعل ملف الكهرباء ملفا ضاغطا ومعرضا للتفاقم ولا سيما مع وجود مليون ونصف المليون لاجئ سوري في لبنان".
نسب النمو
وعن نسب النمو المتوقعة، قال: "أعتقد أن استمرار الوضع على ما هو عليه من دون دخول عوامل طارئة يعني أننا سنستمر في سياسة انحدار ولن يشهد الإقتصاد أي نمو. برأيي طريقة احتساب نسب النمو تحتاج إلى إعادة تقييم، والأرقام التي يتم الإعلان عنها متفائلة".
وفي رد على سؤال حول الخطوات التي يجب اتخاذها لتحسين النمو، قال: "للأسف الشديد، هناك عوامل كثيرة تكون ثانوية في تركيب البلدان هي أساسية في لبنان. فبعد الحرب، تم تركيب البلد على إيقاع أسواق المنطقة، فلم يبرمج وفقاً لحاجات أبنائه وقدراتهم. ولهذا نرى اليوم أننا في مأزق كبير، فإقفال طريق سورية، وغياب السياح الخليجيين غيّر المعادلات الإقتصادية".
أبومصلح
من جهته، رأى الخبير الإقتصادي د. غالب أبومصلح أنه " من الصعب أن نقدر ماذا سيحدث للإقتصاد عام 2015، ولفت إلى أنه بالنظر إلى بنية الإقتصاد اللبناني وفي ظل الفساد المستشري لا نرى أي ضوء يبشّر بالخير في العام الجديد".
وأشار إلى أن "لبنان من أكثر البلدان انكشافاً في الشرق الأوسط على محيطه وعلى العالم، ما يعني أن تحييده عن مشاكل المنطقة مجرد أحلام". وأضاف: " لبنان جزء أساسي من المنطقة ويتأثر بما يحدث فيها بشكل مباشر. من الصعب توقع انتهاء الأزمة السورية في 2015، وبالتالي إن التأثيرات السلبية لهذه الأزمة على الإقتصاد اللبناني مستمرة".
واعتبر أن "لبنان تأثر وسيتأثر سلباً بتقلبات أسعار النفط، إذ إن انخفاض الأسعار سيؤدي إلى تقلص في إنفاق الدول النفطية ما سيؤدي إلى انخفاض الطلب على العمالة والبضائع اللبنانية". واعتبر أن "هذه الأمور تهدد الإقتصاد ومن الصعب معالجتها".
ضعف متصاعد
وإذ كشف أن هناك ضعفا متصاعدا ومستمرا في الإقتصاد اللبناني، قال: " القضايا الداخلية والبنيوية عبارة عن مأساة. فعلى صعيد التجارة الخارجية، يعاني التجار من أوضاع سيئة جداً ناتجة من تطورات إقتصادية وسياسية. فعلى الرغم من نزوح أكثر من مليون سوري إلى لبنان لم يرتفع الطلب على السلع وبالتالي بقي الإقتصاد بعيداً عن انعكاساته الإيجابية، بسبب سياسة الإفقار في لبنان التي أدت الى انخفاض القدرة الشرائية للمقيمين في لبنان وبالتالي تراجع الطلب الحقيقي على السلع".
وتابع أبو مصلح: " الأمور تزداد سوءاً، فالصادرات انخفضت أكثر من 23% ما أدى الى ارتفاع معدل العجز في الميزان التجاري وانخفاض نسبة تغطية الصادرات للواردات من20% خلال فترة السنوات الخمس الماضية إلى 15%. فيما عجز الموازنة مستمر ، والدين العام بلغ أكثر من 200% من الناتج المحلي في لبنان وهو من أعلى النسب في العالم".
وفي رد على سؤال حول نسب النمو الإقتصادي المتوقعة في عام 2015، كشف أبومصلح أن "الإحصاءات الموجودة في لبنان غير دقيقة، وتخفي الواقع الحقيقي للإقتصاد".
وأضاف: " غياب المحاسبة في لبنان أدى إلى انتشار الفساد في كل مكان. ليس هناك دولة في العالم تبقى لسنوات من دون موازنة، فيما تصل نسبة الشغور في الإدارات الرسمية إلى 70%،
في حين يتراكم الدين العام بشكل كبير من دون أن تعرف كيفية إنفاقه. فعلى سبيل المثال، في عام 1993 قطاع الطاقة كان أفضل مما هو عليه حتى الآن بالرغم من كل المليارات التي أنفقت لتحسينه حتى اليوم".
القطاعات الإنتاجية
وعن انعكاس التدهور الإقتصادي على القطاعات الإنتاجية، قال أبومصلح: " الفساد مستشر، ولا نستطيع أن نقول أن أحداً خارج هذا الفساد. الصناعة مهملة، الحكومة والإحتكارات والفساد ضد الصناعة. كما أن الزراعة مهملة أيضاً وموازنة وزارة الزراعة أقل من 1% من الموازنة العامة على الرغم من وجود 20% من اللبنانيين يعملون في هذا القطاع. المسؤولون في لبنان لا يأخذون بعين الإعتبار أن الشعب اللبناني مستهلك ومنتج أساسي، ليطوروا القطاعات الإنتاجية".
ورأى أبومصلح أن " الحل يكمن في التغيير، الذي لن يأتي من هذه الطبقة الحاكمة التي تلهي الناس بالقشور وتهمل القضايا الحقيقية. اليوم لا يوجد بين الطبقة الحاكمة من يعمل على خلق فرص عمل، 75% من خريجي الجامعات يهاجرون، 40% من الشباب من دون عمل. ولا يوجد من يعمل على تحسين البنى التحتية والخدمات".
يشوعي
بدوره، رأى الخبير الإقتصادي إيلي يشوعي أن "الإقتصاد اللبناني يتجه عام 2015 إلى العدم،ما دامت السياسات الحكومية والنقدية والمالية لم تتغير. فهذه السياسات تتبع منذ 22 سنة من دون أي تغيير أو تعديل رغم انها برهنت عن عقمها على الصعيدين المالي و النقدي، عبر النتائج السلبية التي يظهرها الإقتصاد اللبناني.
وأضاف: " النتائج السلبية تتمثل بالمراكمة غير المحدودة للدين العام والعجز المتواصل في الموازنة العامة والتراجع المستمر في الميزان التجاري وازدياد العجز، و إقفال الكثير من المؤسسات التجارية".
وتابع: " من الضروري التشديد على أن العامل الأمني ليس الوحيد الذي يقرر المسار الإقتصادي، إنما هناك سياسات إقتصادية عجزت ولا تزال عاجزة عن إحداث تغيير مطلوب على الصعيد الإقتصادي".
وإذ شدد على أن "لبنان يملك قدرات وميزات مالية مهمة جداً تتمثل بـ160 مليار دولار من الودائع في المصارف اللبنانية"، قال: "مع الأسف كل هذه الموارد المالية إدارتها بغاية السوء والمسؤول الأول عن هذه الإدارة السيئة هو السياسات النقدية والمالية فضلاً عن الرؤية الإقتصادية لدى من يمسك بالقرار الإقتصادي في البلاد".
تغيير الرؤية
ورأى يشوعي أن "التحدي يكمن في تغيير الرؤية الإقتصادية عبر انتخاب رئيس جمهورية ملم إلى حد ما بالوضع الإجتماعي والإقتصادي والمالي أو يتمتع بالقابلية ليصبح ملماً أو يتعامل مع الذين يملكون الخبرة في الشأن الإقتصادي".
واعتبر أن "على اللبنانيين أن يختاروا مستقبلا لأولادهم أفضل من الدمار والحروب العسكرية والإقتصادية والتهجير".
وعن واقع القطاعات الإقتصادية، قال: "في ظل هذا الوضع الإقتصادي لا ينفع البكاء وتعداد من سيقفل ومن سيبقى، فالجميع يعاني من الوضع الصعب. وإذا استمرت السياسات والأخطاء نفسها جميعنا سندفع الثمن وليس فقط القطاعات ".
وعد ابوذياب