الاقتصادات الناشئة.. من الحصار المؤلم إلى المواجهة المحنّكة
روسيا والصين.. "حروب العملات" تتقدم
كشف منتدى الشرق الاقتصادي في فلاديفوستوك (أقصى شرقي روسيا)، أن الجانب الروسي كما الجانب الصيني أكدا اهتمامهما باستخدام عملتيهما الوطنيتين بشكل أكبر في المبادلات المشتركة، وهو ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من أن روسيا والصين تنويان زيادة استخدام عملتيهما الوطنيتين وليس الدولار، في مبادلاتهما التجارية المتنامية لتبلغ مستوى قياسيا. في حين رأى الرئيس الصيني، شي جين بينغ أن "هذا سيعزز الاستقرار في معالجة المصارف لعمليات الاستيراد والتصدير في أجواء من مخاطر مستمرة في الأسواق العالمية"، وفي ضوء ما تتعرض له كل من روسيا والصين من حروب تجارية وعقوبات اقتصادية، وقد ردت كل منهما بالمثل على الولايات المتحدة الأميركية.
لم تكن مزحة الهدية التي قدمها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى نظيره الصيني، شي جين بينغ، خلال زيارتهما لمعرض "شوارع الشرق الأقصى" في فلاديفوستوك، وهي عبارة عن آنية من العسل وقال ممازحا ستدفع قيمة الهدية بالعملة الصينية.
وأوضح الصحافيون الذين رافقوا الرئيسين خلال لقائهما اليوم الثلاثاء في إطار أعمال منتدى الشرق الاقتصادي، أن بوتين اشترى في معرض "شوارع الشرق الأقصى" آنيتين من مشروب العسل التقليدي الروسي بقيمة 200 روبل وقدم إحداهما إلى شي جين بينغ. وخلال استلامه هذه الهدية، قال الرئيس الصيني لنظيره الروسي: " ليس لدي روبلات الآن للدفع". فيما رد بوتين على جين بينغ ممازحا: "ستدفع ثمنها لاحقا باليوان".
وتعزّزت العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين روسيا والصين في السنوات الأخيرة. وذكر بوتين أن حجم المبادلات بين بلاده والصين قد زادت بنسبة الثلث في النصف الأول من العام، وذلك بالقياس السنوي، لتبلغ 50 مليار دولار. وتابع بوتين "لدينا الأسباب كافة للاعتقاد بأننا سنبلغ مستوى قياسيا بـ100 مليار دولار بحلول نهاية العام".
تشير مزحة "هدية" بوتين لنظيره الصيني إلى طبيعة الحرب أو حروب العملات التي تنبأ بها الخبير الاقتصادي الأميركي جايمس ريكاردز في كتابه "حروب العملات/ افتعال الأزمة العالميّة الجديدة" الصادر في العام 2014، محذراً من السّبب الذي يجعل من حرب العملات الراهنة، الصراع الأكثر مغزًى في عالم اليوم، وهو صراع سيُحدِّد نتائج كلّ الصراعات الأخرى.
وهي حروب ، من نوعٌ آخر، بعد الحرب الباردة وحروب التجارة، وهي تتحوّل إلى صراع حقيقيّ بين الدول العظمى، صراع بلا دويّ مدافع وقصف طائرات، يحدث خلسةً وخفية، وعبر مكائد، اقتصادية، ويفضي إلى كوارث مالية تعزّر واقعاً سياسياً جديداً، ونُظُماً غير التي كانت قائمة.. فقط يتغيّر القادة، من عسكريين أشدّاء إلى اقتصاديين محنّكين، وهي الحرب، الأشدّ فتكاً بالمجتعات من الداخل.
أوروبا تهدّد الدولار
لم يمر يوم على الاتفاق الروسي – الصيني باستخدام عملتيهما الوطنيتين وليس الدولار، في مبادلاتهما التجارية، إلا وانتقل الأمر إلى أوروبا، حيث أكد جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية أن العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" يجب أن تؤدي دورا أكبر في المعاملات المالية الدولية.
وبحسب "الألمانية"، فإن يونكر قال "من غير المنطقي أن يدفع الاتحاد الأوروبي فواتير الطاقة بالدولار". وأشار في خطاب عن حال الاتحاد السنوي أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورج إلى أن اليورو يجب أن يصبح "أداة فعالة" للسيادة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي.
وذكر أن المفوضية الأوروبية ستعرض مقترحات في هذا الشأن خلال الأشهر المقبلة.
وأفاد رئيس المفوضية الأوروبية بأن على الاتحاد الأوروبي أن يظهر قدراته الكامنة كقوة عالمية، وذلك في وقت تنسحب فيه الولايات المتحدة من ارتباطات دولية.
وقال يونكر إن الاتحاد الأوروبي عندما كان متحدا كان قوة لا يستهان بها. وتابع "عندما تتحدث أوروبا بصوت واحد يمكننا فرض وضعنا على الآخرين".
ميزة تنافسية
يرى خبراء ومتعاملون في سوق الصرف العالمية أن الأطراف المتنازعة تخوض حرب عملات أيضا، وفقا لما نقلته شبكة بلومبرغ الإخبارية.
واتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الصين والاتحاد الأوروبي بـ "التلاعب بعملتيهما وأسعار الفائدة لخفضها".
وجاء تصريحه بعدما هبط اليوان الصيني إلى أدنى مستوياته في عام كامل، من دون مؤشرات تذكر على تدخل البنك المركزي الصيني لإيقاف هذا الهبوط. وقد تراجع اليورو أيضا هذا العام.
وحين تنخفض عملة الدولة تكتسب صادراتها ميزة تنافسية في الأسواق، إذ تصبح السلعة أقل تكلفة على المستوردين. ولطالما كانت الاتهامات بالتدخل في أسواق الصرف رائجة بين الاقتصادات الكبرى التي تتنافس على زيادة صادراتها.
ولم يقل ترامب إنه يترفع عن خوض مثل هذه الحرب، لكنه يصطدم بمجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) الذي ينتهج في الوقت الحاضر سياسة رفع أسعار الفائدة التي تزيد من قوة الدولار الأميركي.
وانتقد الرئيس سياسة الاحتياطي الفدرالي بشكل صريح، قائلا إنها تحرم الولايات المتحدة من "ميزة تنافسية كبيرة". وأشار إلى أن اليوان الصيني "يهوي كالصخرة".
وتراجع الدولار قليلا مع انتقادات ترامب المتكررة، لكنه ما زال محتفظا بقوته حيث زادت قيمته بأكثر من 5% في الأشهر الثلاثة الماضية.
حروب "المنتقمون"!
وصف الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو الحروب التجارية العالمية الراهنة بأنها "حرب لانهائية" من حروب "المنتقمون" في إشارة إلى سلسلة الأفلام الأميركية الشهيرة.
وقال "جوكو" في كلمة له أمام المنتدى الاقتصادي العالمي للدول الأعضاء فى رابطة جنوب شرق آسيا "آسيان" الذي عقد في بـ "11 أيلول/ سبتمبر 2018" في العاصمة الفيتنامية هانوي الأخيرة، قال "ما يحدث في الاقتصاد اليوم هو أننا نتجه نحو حرب لانهائية. فمنذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الـ20 لم تشتعل حروب تجارية بهذه الحدّة التي نشهدها اليوم".
يذكر أن الولايات المتحدة وهي صاحبة أكبر اقتصاد في العالم تخوض نزاعا تجاريا كبيرا مع الصين، حيث يهدّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم إضافية على سلع صينية بقيمة مئات المليارات من الدولارات.
وكان ترمب قد أشار إلى الحروب التجارية في وقت سابق بأنها "جيدة. ويمكن الانتصار فيها بسهولة"!.
في المقابل قال الرئيس الإندونيسي إن الحروب التجارية يمكن أن تدمر التقدم الاقتصادي العالمي وتخفض مستويات المعيشة لمليارات البشر.
وقال جوكو أمام المنتدى "لكن لتطمئنوا وتتأكدوا. أنا ومن معي من المنتقمين مستعدون لمنع الثانوس (أقوى وأذكى شخصية خيالية شريرة ظهرت في القصص المصورة الأميركية) من القضاء على نصف سكان العالم"، مستخدما تعبيرات فيلم "المنتقمون الحرب اللانهائية".
وفي حين كان "جوكو" يتحدث أمام تجمع لقادة دول رابطة جنوب شرق آسيا ومنهم لي هسين لونج زعيم سنغافورة وأونج سان سوتشي زعيمة ميانمار، فإنه أكد أنه لا يعتزم الإشارة في حديثه إلى أي شخص محدد.
وأضاف "الثانوس يمثل الاعتقاد الخاطئ وهو أنه لكي ينجح فإنه يجب أن يستسلم الآخرون. وهو يتصور خطأ أن صعود بعضهم يعني التراجع بالنسبة إلى الآخرين".
وطغت في نقاشات المنتدى الاقتصادي (آسيان) الذي شارك فيه رؤساء كبريات الشركات الآسيوية، تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية جديدة على الصادرات الصينية إلى بلاده.
وبحسب فريد بروك الخبير في مكتب بيكر ماكنزي للمحاماة في فيتنام فإن دولا عدة في جنوب شرق آسيا، ولا سيما فيتنام وكمبوديا، تتابع من كثب الحرب المستعرة بين واشنطن وبكين على صعيد الرسوم الجمركية، لأن هذه الدول يمكن أن تستفيد من اشتداد هذه الحرب.
وقال إن هذه الدول "ترى في هذا الأمر فرصة سانحة لأنه يعني أنه سيتوجّب نقل الإنتاج الصناعي من الصين إلى جنوب شرق آسيا".