قدرة الصناعات الغذائية اللبنانية لِولوج أسواق التصدير التقليديّة للبنان تتضاءل عاماً بعد عام
فريجي: لبنان وقع فريسة سياسات الدعم المباشر للإنتاج
"لا نجاح من دون تعب ولا فشل دون سبب"، هي رسالة مؤسس شركة التنمية الزراعية موسى فريجي للعاملين في صناعة الدواجن في العالم العربي. ذلك القطاع الذي قضى سنوات عمره يعمل به في لبنان والخارج.
بدأت رحلته في القطاع عندما تعذر عليه إيجاد أي عمل في الدوائر الحكومية او الخاصة بعد تخرجه من كلية الزراعة في الجامعة الأميركية في بيروت، ما اضطره للقبول بأول عرض للعمل في مشروع صغير للدواجن في حينه في سهل البقاع فأنضم إليه وانغمس في العمل ضمن مشروع الدواجن منذ خريف 1957 . وهكذا كتب له أن يختار هذا المجال من العمل طيلة حياته .
لعل النجاح الذي حققة فريجي دليل كاف على حكمته في التصرف وصوابية قراراته، ووفقاً لفريجي إن أحد أهم عوامل النجاح التي رافقته هي قدرته على تخفيف كلفة الإنتاج مقارنة مع المنافسة عن طريق أخذ كل الإحتياطات وتوظيف كل المهارات في التربية والوقاية والتغذية والإدارة الفنية عموماً. اليوم لا يمكن على أي متابع لفريجي إلا الاعتراف بخبرته الكبيرة في القطاع، وتعامله الواثق مع الأمور. إذ غاص في مقابلة "أجرتها معه "الصناعة والإقتصاد" حول أحوال قطاع الصناعات الغذائية وتناول مشاكله والسبل الآلية لحماية الإنتاج".
أشار فريجي خلال اللقاء إلى أنّ مستوى صادرات الصناعات الغذائية كان وما زال يتراجع سنة بعد سنة ولم ينمو كما يعتقد البعض، على الرغم من أنها جاءت في المرتبة الأولى أو الثانية بين فئات الصادرات اللبنانية العام الماضي، فبعد أن بلغ حجم الصادرات 1,2 مليار دولار عام 2000، تراجعت إلى ما دون النصف مليار في عام 2014.
وإذ اعتبر أنه "من الصعب جداً تطوير المؤسسات اللبنانيّة لِتنافس منتجاتها مثيلاتها في الأسواق العالميّة". قال: "إنّ تكلفة إنتاج الصناعات الغذائية في لبنان مرتفعة مقارنةً مع مثيلاتِها من دول عديدة كأستراليا وكندا والبرازيل ودول شرقي أوروبا وعليه فإنّ قدرة الصناعات الغذائية لِولوج أسواق التصدير التقليديّة للبنان قد تضاءلت سنة بعد سنة. لا بل أخذت إستيرادات الصناعات الغذائية إلى لبنان تزداد سنة بعد سنة، الأمر الذي تؤكّده الإحصاءات القائلة بأنّ ما يزيد عن 80% من غذاء اللبنانيين إنّما هو مُستورد".
سياسات الدعم
أشار فريجي إلى أن لبنان وقع فريسة سياسات الدعم المباشر للإنتاج التي تتبعها معظم الدول العربيّة ودول الإتحاد الأوروبي كونه انبرى ومنذ 1992 إلى الإسراع في توقيع إتفاقيات التبادل التجاري الحرّ بحجّة أنّ إتفاقيات كهذه تفتح الباب واسعاً أمام الصادرات اللبنانيّة". ولفت إلى أنه "غاب عن مُعتنِقي سياسة الإنفتاح هذه أنّ كلفة الإنتاج في لبنان مرتفعة ولبنان غير قادر على مجاراة دول عديدة بدعم الإنتاج أو الصادرات. فالصناعات الغذائية في بلدان كالإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية تتمتّع بدعم مباشر للإنتاج وفي بلدان كالصين وتركيا بدعم المُصدَّر منها. وهذان النوعان من الدعم يجعلان المنتَج يصل إلى دول المقصد بأقل من كلفة إنتاجه فيها. هذه الأمور لم يأخذها لبنان بعين الإعتبار، فوقع فريسة الدول التي وقع معها إتفاقية التبادل التجاري الحرّ، فأخذت بزيادة صادراتها إليه من دون استفادته من زيادة حجم صادراته إليها".
ولفت إلى أن لبنان يعاني من عجز تجاري يفوق السبعة عشر مليار دولار في عام 2014، ففي حين وصلت الواردات إلى أكثر من 21 مليار دولار بينما الصادرات لم تتعدّ عتبة الأربعة مليارات دولار في السنة. وإذ أعلن أن هذا العجز على إزدياد، رأى أنه من الضروري التركيز على هذه الظاهرة السيّئة والسعي إلى تخفيف حجم الواردات واستبدالها بإنتاج محلّي لا يستلزم أي مجهودات لتصديره بل هو للسوق المحلّية التي تحتلّها أصلاً الواردات المدعومة من دول المصدر.
واعتبر "أنّ مثل هذا الإجراء سيُوفِّر فرصاً كبيرة للإستثمار في القطاعات الغذائية وغيرها وبالتالي يوفِّر فرص العمل للّبنانيّين الذين يَجهدون في السفر إلى بلدان أخرى لإيجاد عمل لهم بدلاً من توظيف طاقاتهم وعِلمهم في إنماء بلدهم لبنان".
وقال: "للوصول إلى هذه النتيجة لا بدّ من العودة إلى تبنّي سياسة الحماية الجمركيّة على المنتجات التي يمكن إنتاجها في لبنان، وتأتي في طليعتها الصناعات الغذائية. يجب على مستوى هذه الحماية أن يكون فاعلاً ومؤثراً بحيث يُحفّز المُنتج اللبناني على إنتاج المصنّعات المحميّة محلياً ودون تردُّد".
وأضاف: "هذا الأمر يحتاج إلى تغيير في النهج للسياسة الإقتصادية اللبنانية ويقتضي إلغاء لبنان لكل اتفاقيات التبادل التجاري الثنائية والجماعيّة كاتفاقيّة اليورو متوسطية، واتفاقيّة المنطقة الحرّة العربيّة. على لبنان أن يوقِف التفاوض لدخولِه منظمة التجارة العالميّة ويُعيد مستويات الرّسوم الجمركيّة اللبنانيّة إلى ما كانت عليه قبل التفاوض مع المنظمة أي قبل عام 1998".
ولفت فريجي إلى إن قطاع الصناعات الغذائية يؤدي دوراً كبيراً في تنمية قطاعات إقتصادية متعددة ولا سيما القطاع الزراعي، وشدد على "أنّ تحفيز الإستثمار في الصناعات الغذائية سيُعزِّز التعامُل والتعاون مع المزارعين لإنتاج المزروعات المطلوبة من أصحاب الصناعات الغذائية وبالتالي يُعمِّم إنتاج الفاصوليا والعدس والحمص واللوبياء والملوخية والبطاطا وغيرها وبموجب طلبات الصناعات الغذائية والأسواق المحليّة". وأضاف: "هذه الطفرة المُنتظرة ستعمل على التوسّع في الصناعات المُساندة والمُتمِّمة كصناعة الورق والكرتون والطباعة والبلاستيك وقطاع الآلات الصناعيّة والمواد الأوليّة الزراعيّة".
سلامة الغذاء
وفي إطار حديثه عن حملة سلامة الغذاء التي قامت بها وزارة الصحة مؤخراً، قال فريجي: "إنّ مواصفات سلامة الغذاء المعتمدة في أوروبا وأميركا هي مواصفات تتوافق مع مواصفات كودكس أليمنتاريوس التابعة للأمم المتحدة وهي بالتالي مُلزمة للمصنّعين اللبنانيين في الصناعات الغذائية إذا ما أرادوا إنتاج غذاء سليم للمستهلكين. المشكلة تكمن في المواصفات التي اعتمدتها مؤسسة المواصفات والمقاييس اللبنانية (ليبنور) للعديد من المنتجات وخاصةً المصنعات التي تحوي لحوماً حمراء أو بيضاء. فقد جاءت مُغالى بها وتتعدّى الحدود المسموح بها في أوروبا وأميركا لا لشيء إلاّ لجهة الحِرص والتشدُّد الزائدَين من قِبل ليبنور. وهذا الأمر يجعل المطابقة غير مقدور عليها من معظم مُصنّعي الأغذية في لبنان".
وأضاف: "من هنا جاءت حملة سلامة الغذاء التي شنّتها وتشُنُّها وزارة الصحة والتي إعتمدت عدم المطابقة على مواصفات ليبنور غير العمليّة ولا المُنصِفة وخاصةً للمواد غير المُعدّة للإستهلاك كما هي كالكفتة والمقانق والسجق والبرغر واللحم الطازج ولحوم الدواجن الطازجة ومقطعاتها والكبدة والطحال والرّئتَين وغيرها كون كل هذه المنتجات لا تؤكل ويجب ألا تؤكَل إلاّ بعد طهيِها أي تعريضها لحرارة تفوق المئة درجة مئوية، الأمر الذي يؤدّي غلى قتل كل البكتيريات التي تكون موجودة فيها أثناء عمليّات تحضيرها".
وتابع: "الحل يكمن في تعديل بعض مواصفات ليبنور كي تتوافق مع المواصفات الأميركيّة أو الأوروبيّة من جهة وكذلك إلزام كل المؤسسات التي تتعاطى تصنيع الغذاء بالحصول على شهادة أيزو 22000 و/أو شهادة HACCP والتي تُساهم في رفع مستوى هذه المصانع لجهة النظافة العامة وتدريب الموظفين ودرء المخاطر الصحيّة وغيرها".